ق. م وإن كانت قراءته لا تزال موضعًا للجدل.
وكان التوسع الآشوري قد امتد في القرن التاسع ق. م إلى بوادي الشام وضغط على ما في جنوبها من مناطق التجمعات العربية. وحاولت دويلات المنطقة أن تقف في وجه تقدمه بتكوين حلف كبير بزعامة إمارة دمشق وما حولها. وهنا ذكرت نصوص شلما نصر الثالث الملك الآشوري في عام 853 ق. م.
أنه انضم إلى هذا الحلف فيمن انضموا إليه ألف راكب جمل من رجال جنديبو أريبي (أو الأريبي). ويعتبر لفظ جنيديبو تحريفًا لاسم جندب أو جندبة. كما يعتبر لفظ أريبي تحريفًا لصفة العربي. وقد لقب جنديبو هذا بلقب الملك، ويبدو أنه كان يعيش بقبيلته العربية أو يتردد بها على البادية الواقعة إلى الجنوب الشرقي من دمشق. وإذا صح أنه اشترك في الحرب ضد الآشوريين بألف راكب جمل فعلًا لدل ذلك على سعة نفوذه وكثرة رجاله قياسًا على إمكانات عصره.
وتعددت إشارات النصوص الآشورية بعد ذلك إلى الجماعات العربية القريبة من دولتها والواقعة على طرق التجارة الواصلة إليها. ورددت القول بانتصارات ملوكها العراقيين وجيوشهم على هذه الجماعات وتلقي الجزى منها. وهي أخبار تحتمل الصدق كما تحتمل الشك. فيحتمل صدق بعضها على أساس عدم تعادل كفتي الفريقين من حيث العدد والعدة ومن حيث وفرة الموارد. ولكن يتعين الشك في بعضها الآخر على أساس أنها أخبار تواترت من جانب واحد وهو الجانب الآشوري الذي سجل انتصارات أصحابه دون هزائمهم. وجلي أنه لو كان خصومه من العرب الشماليين قد استخدموا الكتابة حينئذاك وسجلوا بها أخبارهم، لأمكن مقارنة أخبار الجانبيين ببعضهما البعض والخروج منهما بما هو أقرب إلى الصحة. وعلى أية حال فإن ما ذكرته النصوص الآشورية نفسها عن تعدد حروب الجانبين يدل ضمنًا على استمرار مقاومة القبائل العربية التي اعتمدت على مهارتها في الكر والفر وقتال الصحراء، ووعورة مناطقها، وعملها على مضايقة خصومها عن طريق تهديد قوافل تجارتهم. واستطاعت على الرغم من قلتها النسبية أن تسجل صفحات مجيدة في الدفاع عن أرضها واستقلالها.
ذكرت النصوص المسمارية الآشورية أسماء ممالك وقبائل عدة مثل سبأ وقيدرى وتيماء ومصوري وتمودي وخايابا ومساء ... إلخ. وكان أهم ما تضمنته فيما نكتفي به مؤقتًا وفيما يفيد التاريخ العربي العام هو أنها ذكرت أسماء خمس ملكات عربيات على أقل تقدير حكمن في جهة ما من شمال شبه الجزيرة العربية فيما بين أواسط القرن الثامن ق. م، وبين أواسط القرن السابع ق. م. ولم تحدد مكان دولتهن صراحة، ولكنها ذكرت خلال الحديث عنهن أحيانًا اسم أداوماتو