وكيفت هذه القبائل مسلكها إزاء سبأ بما يتفق مع مصالحها والظروف التي عاشت فيها. فظل موالية للدولة في عهود قوتها، واستمرت كذلك حتى رأت الأطماع تحيط بها، فبدأت تتحين الفرصة لإثبات كيانها الذاتي تحت زعامة بيت حكم كبير فيها انتسب إلى جد أكبر يدعى" أعين". وجد أصغر يدعى أوسلات رفشان.
وفي حمأة هذه الأطماع والملابسات الداخلية التي مهددت لتمزق الكيان السبأي، كانت قبائل حمير قد شقت طريقها حتى حدود سبأ، واتخذت عاصمتها في مدينة ظفار التي نشأت في منطقة خصبة قرب مدينة يريم الحالية، وحمتها عدة حصون قامت على التلال التي تحيط بها، وكان حصن ريدان أكبرها، فأصبح حصنها الملكي، وانتسب إليه ملوكها في لقبهم الذي اشتهروا به وهو ذوريدان.
وفجأة ظهر في نصوص هذا العصر المضطرب ما يدل على أنه قامت في كل من مأرب وظفار أسرة حاكمة ادعى ملوكها لأنفسهم لقب ملك سبأ وذوريدان كل على حدة. وفي تفسير هذه الظاهرة افترض الباحث فون فيسمان أن مأرب عاصمة سبأ تعرضت لهجوم من قبل ملك ريدان الحميرى في نهاية القرن الميلادى الأول، وحينما انتصر عليها أضاف اسمها إلى لقبه، ولكن تقديره لمكانة سبأ التاريخية والدينية جعله يقدم اسمها في مقدمة هذا اللقب، وإن لم يطل حكمه. وعز على القبائل المحيطة بمأرب ما صارت إليه فعملوا على إجلاء الملك الحميري عنها وأعادوا إليها الملك السبأي المنهزم أو رجلًا من أسرته اتخذ هو الآخر لقب ملك سبأ وذوريدان في الوقت الذي لم يتنازل فيه الملك الحميري في ظفار عن لقبه المزدوج.
ومع التجاوز عن الأسماء العديدة التي أتت النصوص بها، مراعاة للتخفيف مؤقتًا، تكفي الإشارة إلى أنه كان من أصحاب الفضل في إعادة الملكية الشرعية إلى مأرب زعيم قبائل بتع، وزعيمان لقبيلتي مرئد وجرت، وقد عمل كل منهم من ناحيته، ولم يكن عمله بغير ثمن، فقد تلقب كل من الثلاثة بمثل لقب ملك مأرب العائد، أي ملك سبأ.
وعمل الهمدانيون على أن يكون لهم بدورهم نصيب في ألقاب العصر وزعامته. وكان قد ترأسهم بعد أوسلات رفشان ولداه يرم أيمن وبارج يهرحب، وقد مثلا ملك سبأ في عقد صلح أنهى حروبًا متقطعة قامت بينه وبين دولة حضر موت والحميريين والقتبانيين (الذين كانت دولتهم تلفظ أنفاسها الأخيرة). وكان الجزاء على عقد الصلح أن تلقب أكبر الأخوين يرم أيمن بلقب