وبث سراياه للاغارة على الأعمال الأنطاكية وما والاها وأن قوماً من التركمان ظفروا بجماعة منهم هذا بعد أن افتتح من الأعمال لاوين ملك الأرمن عدة من حصونه ومعاقله. ولما عرف الملك العادل نور الدين هذا شرع في مكاتبة ولاة الأعمال والمعاقل بإعلامهم ما حدث من الروم ويبعثهم على استعمال التيقظ والتأهب للجهاد فيهم والاستعداد للنكاية بمن يظفر منهم والله تعالى ولي النصر عليهم والاظفار بهم كما جرت عوائده الجميلة في خذلانهم والاظهار عليهم ورد بأسهم في نحورهم وهو تعالى على كل شيء قدير.
وقد اتفق في هذه السنة السعيدة التي هي سنة 553 منذ ابتداء تشرين الثاني الكائن فيها إلى أوائل شباط أن السماء بأمر خالقها أرسلت عزاليها بتدارك الثلوج والأمطار مع توالي الليل والنهار بحيث عمت الأقطار وروت الوهاد والأغوار والبراري والقفار وجرت الأودية وتتابعت السيول بمائها المصندل واللبني والبنكي واكتست الأراضي المنخفضة والبقاع بخضرة الزرع وعشب النبات وأشبعت السائمة بعد الضعف والسغب وإراحتها من كلفة العناء والتعب وكذلك سائر المواشي الراعي والوحوش القاصية والدانية وتناصرت الأخبار من سائر الجهات بعموم هذه النعمة وذكر الشيوخ أنهم لم يشاهدوا مثل ذلك في السنين الخالية فلله على نعمته خالص الحمد ودائم الشكر
أولها يوم الجمعة مستهل المحرم منها. وفي هذا اليوم وافت زلزلة عظيمة ضحى نهاره وسكنها محركها بقدرته ورحمته وتلاها في يومها ثنتان دونها