النزوح من ضياعها لعدم ماء شربهم وبعده عنهم وكذلك سائر الأعمال فلطف الله تعالى بعباده وبلاده فأرسل عليهم في العشاء الآخر من كانون الثاني من السنة الشمسية الموافق للعشر الآخر من ذي الحجة من السنة القمرية سنة 552 من الغيث الهطال المتدارك والثلج المتتابع ما روى الوهاد والآكام وجرت به أودية حوران ودارت أرحيتها وانتعشت زروعها وأنبتت بالغيث سباخها فلله تعالى الحمد على هذه النعمة التي لا يحصى لها عدد ولا يحصر لها أمد ولما تناصرت الأخبار بالبشائر إلى أسد الدين بدمشق بعافية الملك العادل نور الدين واعتزامه على استدعاء عساكر الاسلام لجهاد أعداء الله والمقيمين بالشام سارع بالنهوض من دمشق إلى ناحية حلب ووصل إليها في خيله واجتمع مع الملك العادل نور الدين فأكرم لقياه وشكر مسعاه وشرعوا في حماية الأعمال من شر عصب الكفر والضلال بما يعود بصلاح الأحوال والله المسهل لنيل المباغي والآمال بمنه وفضله. ونظمت هذه الأبيات في هذا المعنى:
لقد حسنت صفاتك يا زماني ... وفزت بما رجوت من الأماني
فكم أصبحت مرعوباً مخوفاً ... فبدّلت المخافة بالأمان
فكم من وحشةٍ وافت وزالت ... وهدّمت الرفيع من المباني
وجاءتنا أراجيفٌ بملكٍ ... عظيم الشأن مسعود الزمان
فروّعت القلوب من البرايا ... وصار شجاعها مثل الجبان
وثارت فتنةً تخشى أذاها ... على الاسلام في قاصٍ ودان
ووافى بعد ذاك بشير صدقٍ ... بعافية المليك مع التهاني
فوّلى الخوف مهدوم المباني ... وعاد الأمن معمور المغاني