الشام بشكل عام نشاطا ثقافيا كبيراً ومتميزاً، حيث عبر عن دور الشخصية الشامية العربي، وعبرت كل من حلب ودمشق عن شخصيتها بالاتجاه نحو إنتاج تواريخ محلية، وبالفعل جاء إلى الوجود عدد من المؤرخين منهم من عاش في المعرة أو مدينة حلب فأرخ لمدينة حلب والجزء الشمالي من البلاد مع مناطق الجزيرة، ومنهم من عاش في دمشق أو اهتم بها، فكتب في تاريخها إنما مع التعلق بالديار المصرية والاهتمام بها
وإذا كنا لسنا في موضع عرض لمراحل حركة التدوين التاريخي في الشام يكفي أن نذكر أن هذه الحركة وصلت الذروة على يدي ابن عساكر حين كتب تاريخ دمشق ثم ابن العديم حين كتب "بغية الطلب في تاريخ حلب" إنما يلاحظ هنا بأن هذين الكتابين العملاقين قد صنفا حسب نمط كتب التراجم، ومما جاء في بدايتي كل منها من عرض تاريخي حسب الوقائع والحوليات، شمل أخبار فتوح الشام ليس إلاّ، وتميز ابن العديم عن ابن عساكر بأنه صنف كتابا مفرداً أوقفه على العرض التاريخي الإِخباري لمدينة حلب، وهو كتابه "زبدة الحلب من تاريخ حلب" ولم يفعل ابن عساكر هذا، لطبيعة منهجه وثقافته، فهو إمام بالحديث في الدرجة الأولى، ولذلك جاء كتابه الذي صنفه بدمشق مهتماً بطبقات الحدثين والعلماء، وموليا قليل الاهتمام لمن سواهم، وخاصة رجال السلطة.
إن هذه الثغرة بالنسبة لدمشق قد جرى تداركها من قبل ثلاثة أجيال من المؤرخين: اثنان من العراق، وثالثهما وهو المهم من دمشق الشام، وأول هؤلاء المؤرخين هو ثابت بن سنان، الذي كان واحداً من أفراد آل الصابئ، الأسرة التي اشتهرت بالطب فنبغ منها عدد من الأطباء خدموا الخلفاء العباسيين ورجال دولتهم، ويذكر بعض من ترجم لثابت بأنه كان مختصاً بخدمة الخليفة الراضي [322-329 هـ /934-940 م] ، وأنه كان بارعا بالطب، تولى تدبير المارستان في بغداد، وخدم عدداً من الخلفاء بعد الراضي، ومن المرجح