وإلا فصيغة كل جزء مما ذكرت مختصة على حدة. وأكثر الجمع عندهم تسعة وأقلهم ثلاثة، لأنه بعد التسعة يكرر لفظ الآحاد والجموع. فلو قال قائل إنكم إنما تجعلون الربع يقوم مقام الكل فلم جعلتم هنا الثلاث أعنى صيغة لفظ الجمع قلنا: إن ربع التسعة اثنان وربع ولما كانت الأعداد من شأنها الصحة لا الكسور وكان الرابع داخلا في الجزء والثلث غير منفصل عنه وليس فصله ممكن، ساغ أن يكون صيغة لفظ الجمع منطلقة على الثلاث إذا لا يمكن أقل من ذلك قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ
وهي شهران وعشرة أيام فلما دخل بعض الثالث في الكلام اقتضى النطق به بلفظ الجمع.
رجل قال: والله لا أشرب من الفرات. إن شرب كرعا حنث، وإن شرب بآناء لم يحنث وذلك أنه إذا قال من فمن هنا لابتداء الغاية ولا يكون للتبعيض فلو أنها للتبعيض كان لا يحنث أبدا لأن الفرات اسم للأرض وليست باسم للماء فلو كان الفرات اسم الماء لكان المسمى ذهب وما أتى لم يسم وأنت إذا قلت أتيت الفرات لم ترد أنك أتيت الماء ولكنك تريد أنك أتيت البلاد التي على النهر فالنهر اسمه الفرات لا الماء فكأنك قلت والله لا أشرب من هذا الكوز ولو قلت هكذا لكانت يمينك على الشرب من الكوز لا على ما في الكوز فلو صب ما في الكوز في كوز آخر وشرب منه لم يحنث والنهر كما علمت اسم للحفرة المستطيلة كما قيل سيف منهر لم يرد أن الماء يجرى فيه ولكنه أراد المفقر ومنه سمى سيف النبي صلّى الله عليه وسلّم ذا الفقار ولو كان قال لا أشرب من ماء الفرات فإن شرب منه أو من إناء نقل من الفرات أو شرب بكفه حنث لأنه أضاف الماء إلى نهر مخصص لأنه لو كان اسما للماء لم يجز إضافته إليه كما تقول ماء الفرات فلو كان الماء اسمه الفرات لما قلت هذا ماء الفرات وإنما كنت تقول الفرات لأن الشيء عندهم لا يضاف إلى نفسه كما لا تقول هذا غلام غلام ولكنك تقول هذا غلام زيد فيضيف الغلام إلى زيد كأنه قال لا أشرب من هذه الماء الذي في هذا الكوز فسواء شرب منه أو من إناء آخر نقل إليه منه حنث ولو قال لا أشرب من هذا البئر يحنث إذا شرب بإناء. الفرق بينهما أن البئر غير مقدور على الشرب منها على الحقيقة فصار كأنه حلف مجازا كما لو قال: والله لا آكل من هذه الشاة فاليمين على لحمها لأنه يقدر على أكلها حقيقة ولو قال لا آكل