فحدثه أبو بكر محمد القاضي المعروف بابن الأخضر وهو جالس إلى جانبي قال:
حدثني الشيخ أبو الحسن علي بن نصر الفقيه المالكي وكان ناهيك عدالة وثقة وضرب بيده على فخذي وقال: والده قال: زوجت أيام عضد الدولة ببعض غلمانه الأتراك من صبية في جوارنا، وكان لها ولوالدتها أنس بدارنا وكانت من الموصوفات بالستر والعفاف، ومضى على ذلك سنتان، وحضر لي الغلام التركي وقال: يا سيدي هذه المرأة التي قد زوجتني بها قد ولدت لي ابنا، وما أشكو شيئا من أمرها ولا أنكره غير أنها ما أرتني ولدي منذ ولدته، وكلما طالبتها به دافعتني عنه، وأريد أن تستدعيها [1] وتخاطبها على هذا، قال: فاستدعيت والدتها فحضرت، وخاطبتها من وراء الستر على ما قاله، فأسرت إليّ وقالت: يا سيدي صدق فيما حكاه، وإنما دفعناه عن هذا لأنا قد بلينا ببلية قبيحة، وذاك أن زوجته ولدت منه ولدا أبلق من رأسه إلى سرته أبيض وبقيته إلى قدمه أسود في لون الحبش؛ قال: وسمع التركي قولها أبلق فصاح «راست كفت [2] » ثم قال بالعربية: ابني ابني، وهكذا كان جدي بالترك وقد رضيت، ففرحت المرأة بقوله وانصرفت وأظهرت له الولد.
ومثل هذه الحكاية حدّثنا شيخنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ الجيلي وناهيك به ثقة وبنلا قال: كان عندنا بباب الأزج قوم قد زوجوا ابنة لهم بمملوك تركي من مماليك الخليفة، وكان موصوفا بالغلظة والشدة، فحملت منه، فلما كان وقت الولادة أتت بغلام أسود وكان التركي أبيض، وكذلك زوجته، فخافوا منه فأهلكوا الغلام ودفنوه، وأعلموا أباه أنها أتت بولد ميت ودفنوه، ثم إنها حملت مرة ثانية وأتت بغلام أسود أيضا ففعلوا به كما فعلوا بأخيه، ثم حملت مرة ثالثة وأتت به على الصفة، ثم فعل به كما فعل بأخويه، فلما حملت مرة رابعة ودنى [3] وقت وضعها قعد التركي عندها وقال: لا بد من أن أنظر إلى ما تأتي به وإن كان ميتا، فأتت بغلام على الصفة الأولى إخوته، فلما رآه التركي بكا وقال: مرحبا بأبي إن أبي كان أسود مثل لونه وقبّله وفرح به، وزال ما كان عند أمه وأهلها من الخوف وندموا على ما فعلوه في حق الثلاثة الماضين وكتموا ذلك عن أبيهم.
وقد وقع مثل هاتين الحكايتين في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخرجه البخاري في «الصحيح» .