حدثا [1] كان يعرف بابن سمنون الصوفي نشأ مع أَبِي بكر يعني ابن داود فِي كتاب واحد وكانا لا يفترقان، وإذا عمل أَبُو بكر كتابا فِي الأدب ناقضه وعمل فِي معناه، وأن أَبَا بكر نقش عَلَى فص خاتمه سطرين، الأول منهما وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ
والآخر: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ
فكان إذا رأى إنسانا [2] ينظر إلى حدث رمى إليه بخاتمه وَقَالَ: أقرأ ما عليه فينتهي عن ذلك، فَقَالَ لابن سمنون [3] : إن بدران يناقضني فِي هَذَا، فَقَالَ نعم، ولما كان من الغد جاءه بخاتم على فصه [سطران] [4] والأول منهما: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ
والثاني وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا.
قال: وحدثنا القاضي أَبُو عمر [5] أن أَبَا بكر يعني ابن داود كان يجعل طريقه إلى الجامع من سكة الربيع وكانت امرأة تقف خلف بابها وتفتح منه بقدر ما تنظر إليه، فلما كان بعد مدة جذبت طيلساني وكنت أمشي خلفه فقالت: يا هَذَا! إني اشتهي أن استفتي صاحبك فِي مسألة وأستحي أن أخاطبه عَلَى الطريق فاعمل [6] عَلَى أن يدخل إلى مسجد مقابل باب دارها لنسأله فيه، ودفعت إلى دملج، وقالت: خذ هَذَا بارك اللَّه لك فيه! فرددته إليها [7] وقلت: أنا فِي غنى عنه ولكني أتلطفه فِي ذلك عند انصرافنا من الجامع، فلما قربنا من ذلك المسجد عرفته أن البول قد أتلفني وسألته أن ندخل المسجد إلى أن أقضى حاجتي ففعل، ودخلت عليه وعدت فإذا هي تشكو إليه وتقول: واللَّه! إني لأحبك وإني لأشتهي أن أنظر إليك فَقَالَ: ألك زوج؟ قالت:
نعم، فأطرق ثم أنشأ يَقُول:
أما الحرام فلست أركب محرما ... ووصال مثلك فِي الحلال شديد
إن امرأ أمسيت ملك يمينه ... يقضي عليك بحكمه لسعيد
وترك الاجتياز بتلك السكة إلى أن مات.