كانت الشعراء تدخل على الخلفاء في ذلك الحين في كل عام مرة، قَالَ: فمثل بين يديه وأنشده قصيدته التي يقول فيها:

طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها

قادت فؤادك فاستقاد وقبلها ... قاد القلوب إلى الصبي فأمالها

قَالَ: فأنصت لها حتى بلغ إلى قوله:

هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفكم أو تسترون هلالها

أو تدفعون مقالة عن ربكم ... جبريل بلغها النبي فقالها

شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها

- يعني بني علي، وبني العباس-.

قَالَ: فرأيت المهدي وقد تزاحف من صدر مصلاه حتى صار على البساط إعجابا بما سمع، ثم قَالَ له: كم هي بيتا؟ قَالَ: مائة بيت، فأمر له بمائة ألف درهم. قَالَ:

فإنها لأول مائة ألف أعطيها شاعر في خلافة بني العباس، قَالَ: فلم تلبث الأيام أن أفضت الخلافة إلى هارون الرشيد، قَالَ: فرأيت مروان ماثلا مع الشعراء بين يدي الرشيد وقد أنشده شعرا، فقال له: من؟ قَالَ: شاعرك مروان بن أبي حفصة، فقال له:

ألست القائل البيتين- اللذين له في معن اللذين أنشدهما المهدي؟ - خذوا بيده فأخرجوه فإنه لا شيء له عندنا فأخرج. فلما كان بعد ذلك بيومين تلطف حتى دخل، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:

لعمرك لا أنسى غداة المحصب ... إشارة سلمى بالبنان المخضب

وقد هدر الحجاج إلا أقلهم ... مصادر شتى موكبا بعد موكب

قَالَ: فأعجبته، فقال له: كم قصيدتك بيتا؟ قَالَ له: سبعون- أو ستون- فأمر له بعدد أبياتها ألوفا، فكان ذلك رسم مروان حتى مات.

قرأت على الحسن بن علي الجوهري عن أبي عُبَيْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنِي يوسف بن يحيى عن أبيه يحيى بن علي قَالَ: أخبرني متوج بن محمود ابن أبي الجنوب، أَخْبَرَنِي أبي عن أبيه أن الكسائي كان يقول: إنما الشعر سقاء تمخض، فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015