وكان رجلا دينا ورعا، عالما بمذهب أهل العراق، والفرائض والحساب، والذرع والقسمة، حسن العلم بالجبر والمقابلة، وحساب الدور وغامض الوصايا، والمناسخات، قدوة في العلم بصناعة الحكم، ومباشرة الخصوم وأحذق الناس بعمل المحاضر والسجلات، والإقرارات. أخذ العلم عن هلال بن يحيى الرّازي، وكان هذا أحد فقهاء الدنيا من أهل العراق، وأخذ عن بكر العمي ومحمود الأنصاري. ثم صحب عبد الرحمن بن نائل بن نجيح ومحمد بن شجاع حتى كان جماعة يفضلونه على هؤلاء، فأما عقله فلا نعلم أحدا رآه فقال أنه رأى أعقل منه.
ولقد حَدَّثَنِي أبو الحسن محمد بن أحمد بن مابنداذ عن حامد بن العباس عن عبيد الله بن سليمان بن وهب قال: ما رأيت رجلا أعقل من الموفق، وأبي خازم القاضي، وأما الحساب فإن أبا الحسين عبد الواحد بن محمد الخصيبي أَخْبَرَنِي قال: قال لي أبو برزة الحاسب: لا أعرف في الدنيا أحسب من أبي خازم قال: وقال ابن حبيب الزارع: كنا ونحن أحداث مع أبي خازم فكنا نتعمده قاضيا، ونتقدم إليه في الخصومات، فما مضت الأيام والليالي حتى صار قاضيا، وصرنا ذراعه. قال أبو الحسين: وبلغ من شدته في الحكم أن المعتضد وجه إليه بطريف المخلدي، فقال له: إن على الضيعي بيع وكان للمعتضد، ولغيره مال، وقد بلغني أن غرماءه أثبتوا عندك، وقد قسطت لهم من ماله، فاجعلنا كأحدهم. فقال له أبو خازم: قل له: أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- ذاكر لما قال لي وقت قلدني أنه قد أخرج الأمر من عنقه، وجعله في عنقي، ولا يجوز لي أن أحكم في مال رجل لمدع إلا ببينة، فرجع إليه طريف فأخبره، فقال قل له: فلان وفلان يشهدان- يعني لرجلين جليلين كانا في ذلك الوقت- فقال: يشهدان عندي وأسأل عنهما، فإن زكيا قبلت شهادتهما، وإلا أمضيت ما قد ثبت عندي، فامتنع أولئك من الشهادة فزعا، ولم يدفع إلى المعتضد شيئا.
أخبرني التنوخي، أَخْبَرَنَا أبي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الحسين علي بْن هشام بن عبد الله الكاتب البغدادي- المعروف أبوه بأبي قيراط- قال: حدّثنا أبي قال: حَدَّثَنِي وكيع القاضي قال: كنت أتقلد لأبي خازم وقوفا في أيام المعتضد، منها وقوف الحسن بن سهل فلما استكثر المعتضد من عمارة القصر المعروف بالحسني أدخل إليه بعض وقوف الحسن بن سهل التي كانت في يدي ومجاورة للقصر، وبلغت السنة آخرها وقد جبيت ما لها الا ما أخذه المعتضد، فجئت إلى أبي خازم فعرفته اجتماع مال