رأيت أحدا أعلم بطبعك ولا بما جبلت عليه من هذا الرجل، علمت أنه لما قرأ الكتاب قَالَ: أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف، وأم من يسأله حاجة. فقلت: يا هذا تشتم صديقنا؟ فقال: هذه علامتي فيمن أشكره.

وأخبرني الصيمري حدّثنا محمّد بن عمران حدّثني عبد الواحد بن محمّد الخصيبي حَدَّثَنِي أبو يوسف عبد الرحمن بن محمد الكاتب قَالَ: كان الجاحظ يتقلد في خلافة إبراهيم بن العباس على ديوان الرسائل، فلما جاء إلى الديوان جاءه أبو العيناء، فلما أراد أن يخرج من عنده تقدم إلى من يحجبه أن لا يدعه يخرج ولا يدعه يرجع إليه إن أراد الرجوع، فنادى أبو العيناء بأعلى صوته: يا أبا عثمان قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك.

أَخْبَرَنِي أبو بكر البرقاني حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزّاز حَدَّثَنَا أبو بكر أحمد بن محمد بن عيسى المكي. قَالَ: كتب أبو العيناء إلى صديق له ولي ولاية: أما بعد، فإني لا أعظك بموعظة الله لأنك عنها غنى، ولا أخوفك إياه لأنك أعلم به مني، ولكني أقول كما قَالَ الأول:

أحار ابن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذا منها تخون وتسرق

وكاثر تميما بالغنى إنما الغنى ... لسان به المرء الهيوبة ينطق

واعلم أن الخيانة فطنة، والأمانة حرفة، والجمع كيس، والمنع صرامة، وليس كل يوم ولاية، فاذكر أيام العطلة، ولا تحقرن صغيرا، فإن من الدور إلى الدور، وإبلاء الولاية رقدة فتنبه قبل أن تنبه، وأخو السلطان أعمى عن قليل سوف يبصر، وما هذه الوصية التي أوصى بها يعقوب بنيه، ولكن رأيت الحزم في أخذ العاجل، وترك الآجل.

أنبأنا أبو نعيم الحافظ حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الخاركي البصري قَالَ سمعت أبا عبد الله محمد بن القاسم المعروف بأبي العيناء يعزى جدي أبا بكر ابن أبي عدي على زوجته فاطمة بنت الحسن بن عمران بن ميسرة فقال: إذا كان سيدنا- أدام الله عزه- البقية، ودفعت عنه الرزية، كانت التعزية تهنئة، والمصيبة نعمة. ثم جلس وأنشد:

نحن ومن في الأرض نفديكا ... لا زلت تبقى ونعزيكا

أنبأنا الحسن بن علي الجوهريّ، أنبأنا محمّد بن عمران المرزباني، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015