وَقَالَ الأصمعي: كَانَ أَبُو دلامة عبدا وَقد رأيته مولدا حبشيا صالح الفصاحة.
قلت: وَكَانَ أَبُو دلامة فِي صحابة أَبِي الْعَبَّاس السفاح، وَأبي جَعْفَر المنصور، وَأبي عَبْد اللَّهِ المهدي، وَيقال: إنه بقي إلى أول خلافة الرشيد، وَقيل: لم يبلغها.
وَله معهم أخبار كثيرة.
وَكَانَ مطبوعا، ظريفًا كثير النوادر فِي الشعر، وَكَانَ صاحب بديهة، يداخل الشعراء وَيزاحمهم فِي جميع فنونهم، وَينفرد فِي وَصف الشراب، وَالرياض وَغير ذلك، بما لا يجرون معه فيه.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن صاحب العباسي، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد المعدل، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العيناء مُحَمَّد بْن الْقَاسِم، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْمَاعِيل، قَالَ: كَانَ اسم أَبِي دلامة الزند بْن جون، وَكَانَ أعرابيا، وَكَانَ عبدا لرجل من أَهْل الرقة من بني أسد، ثُمَّ من بني نصر بْن قعين، يقال له: قصاقص بْن لاحق، فأعتقه فلما صار أَبُو دلامة مَعَ أَبِي جَعْفَر وَاستملحه وَحظي عنده، كلمه فِي مولاه فأجابه إِلَى أن صيره فِي الصحابة، وَقَالَ: إن عدت ثانية إلى أن تكلمني فِي إنسان، أَوْ تعيده علي شيئا من هذا، لاقتلنك.
وَقَالَ أَبُو عطاء السندي مولى بني أسد:
ألا أبلغ لديك أبا دلامة فلست من الكرام وَلا كرامه
إذا لبس العمامة كَانَ قردا وَخنزيرا إذا وَضع العمامه
فلم يتعرض له أَبُو دلامة، وَقَالَ: قَالَ أَبُو دلامة:
إني أعوذ بداود وَحفرته من أن أكلف حجا يا ابْن دَاوُد
نبئت أن طريق الحج معطشة من الطلاء وَما شربي بتصريد
وَالله ما فِي من أجر فتطلبه يوم الحساب وَما ديني بمحمود
يعني دَاوُد بْن دَاوُد بْن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ بْن الْعَبَّاس، وَكَانَ دَاوُد بْن دَاوُد يتهم بالزندقة، وَكَانَ أَبُو دلامة بعيدا منها، وَإنما عبث وَتماجن أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سهل أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن زِيَاد الْقَطَّان، قَالَ: سمعت أبا الْعَبَّاس يعني أَحْمَد بْن يَحْيَى ثعلبا، يقول: لما ماتت حمادة بنت عيسى امرأة المنصور وَقف المنصور وَالناس معه على حفرتها ينتظرون مجيء الجنازة، وَأبو دلامة فِيهِم، فأقبل عَلَيْهِ المنصور، فَقَالَ: يا أبا دلامة ما أعددت لهذا المصرع؟، قَالَ: حمادة بنت عيسى يا أمير المؤمنين، قَالَ: فأضحك القوم أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد العتيقي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دريد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ ابْن أخي الأصمعي، قَالَ: سمعت الأصمعي، يقول: أمر المنصور أبا دلامة بالخروج نحو عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ، فَقَالَ له أَبُو دلامة: نشدتك بالله يا أمير المؤمنين أن تحضرني شيئا من عساكرك، فإني شهدت تسعة عساكر انهزمت كلها، وَأخاف أن يَكُون عسكرك العاشر، فضحك منه وَأعفاه أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن السمسار، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد الدَّقَّاق، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُثْمَان بْن أَبِي شيبة، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن طارق، قَالَ: سمعت أَحْمَد بْن بشير، قَالَ: شهد أَبُو دلامة عند ابْن أَبِي ليلى لامرأة على حمار، هو وَرجل آخر من أصحاب الْقَاضِي، قَالَ: فعدل الرجل وَلم يعدل أبا دلامة، فَقَالَ الْقَاضِي للمرأة: زيديني شهودا، فأتت المرأة أبا دلامة فأخبرته، فأتى أَبُو دلامة بْن أَبِي ليلى فأنشده، فَقَالَ:
إن الناس غطوني تغطيت عنهم وَإن بحثوا عني ففيهم مباحث
وَإن حفروا بئري حفرت بئارهم ليعلم قومي كيف تلك النبائث
فَقَالَ ابْن أَبِي ليلى: يا أبا دلامة قد أجزنا شهادتك، وَبعث ابْن أَبِي ليلى إلى المرأة، فَقَالَ لها: كم ثمن حمارك؟، قالت: أربع مائة، فأعطاها أربع مائة أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الواحد الوكيل، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد المعدل، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر النوفلي، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن صالح الهاشمي، عَنْ أبيه، قَالَ: دخل أَبُو دلامة الشاعر على أَبِي جَعْفَر، فحدثه وَأنشده فأجازه وَكساه، وَكَانَ فيما كساه ساج، ثُمَّ خرج من عنده إِلَى بني دَاوُد بْن عَلِيّ فشرب عندهم حَتَّى اشتد سكره، فبلغ ذلك أبا جَعْفَر فأرسل إليه، فأتي به وَجاذب أَبُو دلامة الرسول حَتَّى تخرق ساجه، ثُمَّ أمر به إِلَى السجن، وَأمر السجان أن يسجنه فِي بيت مَعَ دجاج لتصغر إليه نفسه، ففعل ذلك به السجان، فانتبه فِي جوف الليل فنادى جاريته، فأجابه صاحب السجن: طعنة فِي كبدك، فَقَالَ له أَبُو دلامة: وَيلك من أنت؟ وَأين أنا؟ قَالَ: سل نفسك وَأين كنت عشي أمس؟ فاستحلفه أَبُو دلامة من أنت؟ قَالَ: أنا السجان أنا فلان صاحب السجن، قَالَ: وَمن أدخلني عليك، قَالَ: بعث بك أمير المؤمنين وَأنت سكران، وَأمرني أن أحبسك مَعَ الدجاج، فَقَالَ له أَبُو دلامة: أحب أن تسرج لي وَتأتيني بدواة وَقرطاس وَلك عندي صلة، ففعل السجان، فَقَالَ أَبُو دلامة:
أمن صهباء صافية المزاج كأن شعاعها لهب السراج
تهش لها القلوب وَتشتهيها إذا برزت ترقرق فِي الزجاج
أمير المؤمنين فدتك نفسي ففيم حبستني وَخرقت ساجي
أقاد إلى السجون بغير ذنب كأني بعض عمال الخراج
فلو معهم حبست لكان ذاكم وَلكني حبست مَعَ الدجاج
دجاجات يطيف بهن ديك ينادي بالصياح إذا يناجي
وَقد كانت تحَدَّثَنِي ذنوبي بأني من عذابك غير ناجي
على أني وَإن لاقيت شرا لخيرك بعد ذاك الشر راجي
فلما أصبح أحضره أمير المؤمنين، فأنشده هذه الأبيات، فضحك منه وَخلى سبيله أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الجوهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، قَالَ: حَدَّثَنَا حرمي بْن أَبِي العلاء، قَالَ: حَدَّثَنَا الزبير بْن بكار، قَالَ: حَدَّثَنِي عمي، عَنْ جدي، قَالَ: ألزم أمير المؤمنين المنصور أبا دلامة أن يحضر الظهر وَالعصر فِي جماعة، فَقَالَ أَبُو دلامة:
يكلفني الأولى جميعا وَعصرها وَمالي وَللأولى وَمالي وَللعصر
وَما ضره وَالله يغفر ذنبه لو أن ذنوب العالمين على ظهري
أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر الأديب، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن السري، قَالَ: حَدَّثَنَا عمي أَبُو الْقَاسِم، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عِكْرِمَة، عَنْ بعض أصحابه، قَالَ: خرج المهدي، وَعلي بْن سُلَيْمَان إِلَى الصيد وَمعهما أَبُو دلامة فرمى المهدي ظبيا فشكه، وَرمى عَلِيّ بْن سُلَيْمَان وَهُوَ يريد ظبيا فأصاب كلبا فشكه، فضحك المهدي وَقَالَ: يا أبا دلامة قل فِي هذا فَقَالَ:
قد رمى المهدي ظبيا شك بالسهم فؤاده
وَعلي بْن سُلَيْمَان رمى كلبا فصاده
فهنيئا لكما كل امرئ يأكل زاده فأمر له بثلاثين ألف درهم أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عُمَر بْن روح، قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بْن زَكَرِيَّا الجريري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْعَبَّاس العسكري، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي سَعْد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن خليفة بْن الجهم الدارمي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حفص العجلي، قَالَ: وَلد لأبي دلامة ابنة فغدا على أَبِي جَعْفَر المنصور، فَقَالَ له: يا أمير المؤمنين إنه وُلِدَ لي الليلة ابنة، قَالَ: فما سميتها؟ قَالَ: أم دلامة، قَالَ: وَأي شيء تريد؟ قَالَ: أريد أن يعينني عليها أمير المؤمنين ثُمَّ أنشده:
لو كَانَ يقعد فوق الشمس من كرم قوم لقيل اقعدوا يا آل عَبَّاس
ثُمَّ ارتقوا فِي شعاع الشمس كلكم إِلَى السماء فأنتم أكرم الناس
قَالَ: فهل قلت فيها شيئا؟ قَالَ: نعم، قلت:
فما وَلدتك مريم أم عيسى وَلم يكفلك لقمان الحكيم
وَلكن قد تضمك أم سوء إِلَى لباتها وَأب لئيم
قَالَ: فضحك أَبُو جَعْفَر، ثُمَّ أخرج أَبُو دلامة خريطة من خرق، فَقَالَ: ما هذه؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين أجعل فيها ما تحبوني به، قَالَ: املئوها له دراهم فوسعت ألفي درهم أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مخلد الوراق، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: حَدَّثَنَا تمام بْن المنتصر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العيناء، قَالَ: حَدَّثَنَا العتابي، قَالَ: دخل أَبُو دلامة على المهدي فطلب كلبا فأعطاه، ثُمَّ قائده فأعطاه، ثُمَّ دابة، ثُمَّ جارية تطبخ الصيد فأعطاه ذلك، فَقَالَ: من يعولها؟ أقطعني ضيعة أعيش فيها وَعيالي، قَالَ: قد أقطعك أمير المؤمنين مائة جريب من العامر وَمائة من الغامر، قَالَ: وَما الغامر؟ قَالَ: الخراب الَّذِي لا ينبت، فَقَالَ أَبُو دلامة: قد أقطعت أمير المؤمنين خمس مائة جريب من الغامر من أرض بني أسد، قَالَ: فهل بقيت لك من حاجة؟ قَالَ: نعم تأذن أن أقبل يدك، قَالَ: ما إِلَى ذلك سبيل، قَالَ: وَالله ما رددتني عَنْ حاجة أهون علي فقدا منها أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَرَج الطناجيري، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بْن عُثْمَان الصفار، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الباقي بْن قانع، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا الغلابي، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن شبة، قَالَ: حَدَّثَنِي غيث، قَالَ: دخل أَبُو دلامة على المهدي، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين ماتت أم دلامة، وَبقيت ليس لي أحد يعاطيني.
فَقَالَ: إنا لله، أعطوه ألف درهم، اشتر بها أمة تعاطيك، قَالَ: وَدس أم دلامة إلى الخيزران، فقالت: يا سيدتي مات أَبُو دلامة، وَبقيت ضائعة فأمرت لها الخيزران بألف درهم، وَدخل المهدي على الخيزران وَهُوَ حزين، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين مات أَبُو دلامة، فَقَالَ: إنما ماتت أم دلامة، قالت: لا، وَالله إِلا أَبُو دلامة، فَقَالَ المهدي: خدعانا وَالله أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سهل أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن زِيَاد الْقَطَّان، قَالَ: أنشدني مُحَمَّد بْن زَكَرِيَّا، هو الغلابي:
ألا أبلغ لديك أبا دلامة فلست من الكرام وَلا كرامه
إذا لبس العمامة قلت قرد وَخنزير إذا طرح العمامه
جمعت دمامة وَجمعت لؤما كذاك اللؤم تتبعه الدمامه