1957 - أَحْمَد بْن جعفر بْن مُوسَى بْن يَحْيَى بْن خَالِد بْن برمك أَبُو الْحَسَن النديم الْمَعْرُوف بجحظة كَانَ حسن الأدب كثير الرواية للأخبار متصرفا فِي فنون جمة من العلوم، عارفا بصناعة النجوم، حافظا لأطراف من النحو واللغة، مليح الشعر، مقبول الألفاظ، حاضر النادرة، وأما صنعته فِي الغناء فلم يلحقه فيها أحد.
رَوَى عَنْهُ: شيئا من أخباره وبعض شعره أَبُو الفرج عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الأصبهاني، وَأَبُو عُمَر بْن حيويه، وَالْمُعَافَى بْن زَكَرِيَّا، وَأَبُو الْحَسَن ابن الجندي، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو العلاء مُحَمَّد بْن عَلِيّ الواسطي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد المُزَني بواسط، قَالَ: قَالَ جحظة سَمِعْتُ أَحْمَد بْن المأمون، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيّ بْن مُوسَى، يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبِي مُوسَى بْن جعفر، قَالَ: قَالَ جعفر بْن مُحَمَّد: صحبة الرجل لأخيه عشرين أَبُو أربعين يوما نسبة.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن المحسن المعدل، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بْن جعفر البرمكي جحظة، قَالَ: أنشدني عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّه بْن طَاهِر قولي:
قد نادت الدنيا على نفسها لو كَانَ فِي العالم من يسمع
كم واثق بالعمر واريته وجامع بددت ما يجمع
فَقَالَ لي: ذَنْبك إلي الزمان الكمال.
وَقَالَ الْحُسَيْن: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن جحظة، قَالَ: قلت للبحتري، قد هجوتك، قَالَ: تقول ماذا؟ قَالَ: قلت:
البحتري أَبُو عباده بيت الفهاهة والبلاده
فَقَالَ لي: أذهب فقد وهبتك لسلفك، فقد كَانَ لهم على حق.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي الْقَاسِم، قَالَ: قَالَ أَبُو الفرج عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الأصبهاني حَدَّثَنِي جحظة، قَالَ: كتبت إِلَى الفطن الشاعر:
ماذا ترى فِي جدي وبرمة وبوارد
وقهوة ذات لون يحكي خدود الخرائد
ومسمع يتغنى من آل يَحْيَى بْن خَالِد
إن المضيع لهذا نزر المروءة بارد
فكتب إِلَى: نعم، هو كذاك وأمه زانية، ووافاني.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن أَبِي عَلِيّ البصري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الفرج الْمَعْرُوف بالأصبهاني من حفظه، قَالَ: حَدَّثَنِي جحظة، قَالَ: اتصلت على إضاقة أنفقت فيها كل ما كنت أملكه حتى بقيت ليس فِي داري غير البواري، فأصبحت يوما وأنا أفلس من طنبور بلا وتر، كَمَا يقال فِي المثل، ففكرت كيف أعمل فوقع لي أن أكتب إِلَى محبرة بْن أَبِي عباد الكاتب وكنت أجاوره، وَكَانَ قد ترك التصرف قَبْلَ ذلك بسنين ولزم بيته، وحالفه النقرس فأزمنه حتى صار لا يتمكن من التصرف إلا محمولا على الأيدي أو فِي محفة، وَكَانَ مع ذلك على غاية الظرف وكبر النفس وعظم النعمة، ومواصلة الشرب والقصف، وأن أتطايب عَلَيْهِ ليدعوني فآخذ منه ما أنفقه مدة، وكتبت إليه.
ماذا ترى فِي جدي وفي غضار بوارد
ومسمع ليس يخطي من نسل يَحْيَى بْن خَالِد؟
فما شعرت إلا بمحفة محبرة يحملها غلمانه إِلَى داري وأنا جالس على بابي، فقلت لَهُ: لم جئت ومن دعاك؟ قَالَ: أنت، فقلت لَهُ: إنما قلت لك ماذا ترى فِي هَذَا، وعنيت فِي بيتك وما قلت لك أنه فِي بيتي، وبيتي والله أفرغ من فؤاد أم مُوسَى، فَقَالَ: الآن قد جئت ولا أرجع، ولكن أدخل إليك واستدعي من داري ما أريد، قلت: ذاك إليك، فدخل فلم ير فِي بيتي إلا بارية، فَقَالَ: يا أَبَا الْحَسَن، هَذَا والله فقر نصيح، هَذَا ضر مدقع، ما هَذَا؟ فقلت: هو ما ترى فأنفذ إِلَى داره فاستدعى فرشا وآله وقماشا وغلمانا، وجاء فراشوه ففرشوا ذلك، وجاءوا من الصفر والشمع وغير ذلك بما يحتاج إليه، وجاء طبَّاخه بما كَانَ فِي مطبخه وهو شيء كثير بآلات ذلك وجاء شرابيُّه، بالصواني والمخروط والفاكهة وآله التبخير والبخور والوان الأنبذة، وجلس يومه ذلك وليلته عندي يشرب على غنائي، وعلى غناء مغنية أحضرتها لَهُ كنت آلفها، فلما كَانَ من غد سلم إِلَى غلامه كيسا فيه ألفا درهم، ورزمة ثياب صحاح، ومقطوعة من فاخر الثياب، واستدعى محفته فجلس فيها وشيعته، فلما بلغ آخر الصحن، قَالَ: مكانك يا أَبَا الْحَسَن احفظ بابك فكل ما فِي دارك لك، فلا تدع أحدا يحمل منه شيئا، وَقَالَ للغلمان: اخرجوا، فخرجوا بين يديه وأغلقت الباب على قماش بألوف كثيرة.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِم الأَزْهَرِيّ، قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز، قَالَ: أنشد أَبِي جحظة البرمكي لنفسه وأنا حاضر:
لي صديق عدمته من صديق أبدا يلقني بوجه صفيق
قوله أن شدوت أحسنت عندي وبأحسنت لا يباع الدقيق
أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْن المحسن، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الكاتب، قَالَ: أنشدني أَبُو الْحَسَن بْن حنش الكاتب، قَالَ: دعا أَبِي جحظة فِي بعض الأيام، فلما حضر ودخل الدار وقعت عينه على عين أَبِي، فَقَالَ:
ولما أتاني منك الرسول تركت الَّذِي كنت فِي دعوته
وأقبلت نحوك مستعجلا كأني جوادك فِي سرعته
وَقَالَ قَالَ لنا جحظة: صك لي بعض الملوك بصك، فترددت إِلَى الجهبذ فِي قبضه، فلما طالت مدافعته كتبت إليه:
إذا كانت صلاتكم رقاعا تخطط بالأنامل والأكف
ولم تجد الرقاع علي نفعا فها خطي خذوه بألف ألف
قَالَ: وشرب أَبِي دواء، فكتب إليه جحظة يسأله عَنْ حاله، رقعة كَانَ فيها:
أبن لي كيف أمسيت وما كَانَ من الحال؟
وكم سارت بك الناقة نحو المنزل الخالي؟
قلت: وَفِي غير هَذِهِ الرواية أن أَبَا بَكْر الصنوبري شرب بحلب دواء، فكتبت إليه صديق لَهُ بهذين البيتين فأجابه الصنوبري:
كتبت إليك والنعلان ما إن أقيلهما من السير العنيف
فإن رمت الجواب إِلَى فاكتب على العنوان يدفع فِي الكنيف
حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن أَبِي طالب، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: أنشدنا أَحْمَد بْن جعفر جحظة:
قل للذين تحصنوا عَنْ راغب بمنازل من دونها حجاب
إن حال دون لقائكم بوابكم فالله ليس لبابه بواب
حَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي الفتح، عَنْ طلحة بْن مُحَمَّد بن جعفر الشاهد، أن جحظة توفي سنة أربع وعشرين وثلاث مائة، قَالَ غيره وَكَانَ مولده فِي شعبان من سنة أربع وعشرين ومائتين.