وخمس من متوسط الشعر، وخمس دون ذلك، وخمس في الغاية المتقهقرة التي لا يعبأ بها وعدمها خير من وجودها، ولو لم يقلها أبو الطيب لوقاه الله شرها، فإنها هي التي ألبسته لباس الملام، وجعلت عرضه شارة لسهام الأقوام " (?) ؛ وهذا شغف بالقسمة لوجه القسمة، وإلا فلو انك جعلت شعر أبي الطيب في ثلاثة أصناف في عشرة، أو فيما بين ذلك. لوجدت المجال النسبي يفسح للقسمة صدره سواه قلت الأقسام أو كثرت.
الغالبية العظمى مقياس لبراعة الشعر ومكانته
ومن الطبيعي بعد ذلك أن تصبح الكثرة العددية هي المقياس في الحكم على تفوق الشاعر، فإذا شئت أن تعلم شاعر (أو كاتب) فانظر إلى رأي الناس فيه؛ عن الإجماع هنا، أو شبه الإجماع، هو الذي يقرر مكانته، ولكن لفظة " الناس " لدى ابن الأثير يجب ان تؤخذ في شيء من الحذر؛ لأنها تعني " طبقة المثقفين " في عصره - على الأرجح - او في أي عصر؛ ومهما يكن من شيء، فنحن نسمع فلأول مرة ناقداً يأنس إلى هذا اللون " الديقراطي " في تقييم الشعر، فيأخذ برأي الأكثرية، دون أن يتنبه إلى شعر أبي الطيب " وماذا يقال في رجب خمسة أسداس العالم مجمعون على فضله وتقدمه؟ وذاك أن جميع بلاد المشرق من أذربيجان إلى حدود الصين لا يتمارون في أنه أشعر الشعراء قاطبة، وهذه البلاد أكثر من نصف المعمور، وأما باقي البلاد من المغرب والجنوب والشمال فإن منهم من وافق المشارقة في تفضله على الشعراء قاطبة، ومنهم من يسوي بينه وبين المجيدين من الشعراء، ومنهم من يغض منه ويقع فيه، وعلى هذا فإن الأكثر له وجزء يسير ليس له " (?) ، ويبدو أن هذا الشغف بالإحصاء والتصنيف والاتكاء