وقد يوحي هذا الموقف النقدي بأن القاضي الفاضل كان محافظاً في ذوقه، ولكن سرعان ما ندرك سعة التذوق لديه حين نجده أحد المعجبين بهذا الفن الجدي - اعني الموشح - وان تلميذه كان يعرض عليه بعض موشحاته، ومن أمثلة ذلك قوله: " وقفت على موشح الجلنارة (?) ، وهو أحسن من الموشح الجلناري الذي كان زينة أعياد الخلفاء، واجدر منها بالنفاسة من القيمة والزيادة في البقاء، ومما ينفك يغايظنا بهذه الملح، ويومض إلينا بهذه اللمح، فإذا سألناه في إباحة معاقلها، وجلاء عقائلها تمنع وإنما يتمنع من يخاف التبذل بالبذل، وهذه المحاسن لا يخاف عليها الملال، ولا (?) يتطرق إليها الابتذال، ولا يختلط بزها ببز، ولا يوقع على مفصلها بحز " (?) .
توجيه ابن سناء الملك لاختيار شعر ابن الرومي
ومن ضروب المران الذي كان يأخذ به ذلك الأستاذ الناقد تلميذه، أن يطلب إليه اختيار شعر هذا الشاعر أو ذاك، فقد كلفه مرة باختيار شعر ابن الرومي، فاختار منه حرف الهمزة ثم توقف، فكتب إليه يذكره بذلك، فكان رد ابن سناء الملك: (فأما ما أمر به المولى في شعر ابن الرومي فما المملوك من أهل اختياره، ولا من الغواصين الذين يستخرجون الدر من بحاره، لأن بحاره زخارة، وأسوده زآرة، ومعدن تبره مردوم بالحجارة، وعلى كل عقيلة ألف نقاب بل ألف ستارة، يطمع ويؤيس، ويوحش ويؤنس، وينير ويظلم، ويصبح ويعتم، شذرة وبدرة، ودرة وآجرة، وقبلة بجانبها لبسة، وحرة بجوارها قحبة، ووردة قد حف بها الشوك، وبراعة قد غطى عليها النوك، لا يصل الاختيار إلى الرطبة حتى يتجرح بالسلا، ولا