الشعر الأندلسي في مصر
ولم يقتصر تأثير الأندلس في البيئة المصرية على الموشحات. بل أقبل المصريون على الشعر الأندلسي نفسه، وعرفوا المصادر الأندلسية الهامة من مثل الذخيرة وقلائد العقبان، وأدرجوا الشعر الأندلسي الذخيرة وقلائد العقيان، وأدرجوا الشعر الأندلسي في مؤلفاتهم، وتصدوا لبعضه بالدراسة والنقد، وقد تفاعلت بعض المظاهر البيئية مع هذا الأثر الأندلسي الوافد، ومنحت الاتجاه النقدي صبغة مميزة، ويتضح لنا عند دراسة أشهر النقاد حينئذ المعالم التي تميز ما يمكن أن يسمى " المدرسة المصرية " في النقد.
ابن سناء الملك وأثر القاضي الفاضل فيه
وفي طليعة هؤلاء القاضي السعيد هبة الله بن جعفر بن سناء الملك (545 - 608) صاحب " دار الطراز "؛ ولا نستطيع أن نتحدث عنه - بل عن أكثر نقاد مصر في هذه الفترة - دون أن نذكر القاضي الفاضل، الذي كان يحتل دور المعلم والراعي للأدباء في مصر حينئذ، وتعد صلته بابن سناء الملك صلة توجيه ونقد وتشجيع؛ وهذه حقيقة تتضح حين نعلم انه كان في رسائله يلح دائماً على أن يكتب إليه ابن سناء الملك - حين كان القاضي الفاضل في الشام - بآخر ما نظمه، بل يطلب أن يرسل إليه مسودات شعره ليرى ما يجري فيها من تنقيح وتغيير. يقول ابن سناء الملك: " وكانت عادتي معه رحمه الله أن يطالبني بالوقوف على مستودات شعري ويرى ما ضربت عليه وما أثبته، فربما رأي ما ضربت عليه خيراً مما أثبته فيناقشني في الحساب ويطالبني بالجواب ويوضح لي وجه الخطأ والصواب، هذه عادتي معه من أول ما أدبني وعلمني وهذبني " (?) . ومعنى ذلك أن القاضي الفاضل كان يقوم بدور الناقد؛ وقد أورد ابن سناء الملك نماذج من نقد الفاضل لبعض قصائده وكلها يشير إلى أن الفاضل كان ينظم قصيدة نثرية