والنقاد في هذه الأقطار الثلاثة بالدوبيت والمواليا والموشح غنما كان مرحلة أولية في خطوة كبيرة لم يجرؤوا على القيام بها، وهي الاعتراف الأدبي بفنون زجلية مختلفة شاعت حينئذ في تلك البلاد، ونحن نعلم انه في القرنين السادس والسابع، على أقل تقدير، غلب " الكان وكان " على البيئة العراقية، وكان في مبدأ أمره مقصوراً على الحكايات والخرافات، ونظم فيه بعض الوعاظ الرقائق والزهديات، ثم اقتبسه الملاحون في دجلة فاصبح أناشيدهم الخاصة، وتولع به أهل البطائح بشكل خاص حتى أصبح يسمى البطائحي (?) ؛ وغلب على البيئة المصرية فن زجلي سمي " البليق " وشغف به الناس وعدوه مستقلاً بعض الاستقلال عن الزجل بمعناه العام (?) - ومع ذلك لا نجد ناقداً تصدى لتلك الفنون أو حاول التوقف عند قيمتها، أو لمح الانقسام الحادث بين الشعب والطبقات المثقفة في نوع الزاد الأدبي الذي يفيء إليه كل منهما، حتى ابن الأثير الناقد الذي ينصح كل من يتصدى للشعر والخطابة " أن يتتبع أقوال الناس في محاوراتهم " (?) ، والذي أفاد من قول امرأة سمعها تندب ابنها وتقول فيه " كيف لا أحزن لذهابه وهو أول درهم وقع في الكيس " فأعجب بعيارتها واستعارها في إحدى رسائله - هذا الناقد يتحدث عن بعض تلك الفنون الشعبية بطريق السماع، وكأنه لم يسمع بنفسه أحداً يتغنى بها أو ينشدها إلا حين نبه لذلك فيقول: " وبلغني ان قوماً ببغداد من رعاع العامة يطوفون بالليل في شهر رمضان على الحارات وينادون بالسحور، ويخرجون ذلك في كلام موزون على هيئة الشعر، وإن لم يكن من بحار الشعر المنقولة عن العرب، وسمعت شيئاً منه فوجدت