المفاضلة بين الشعراء مطلب نسبي

هل تمكن المفاضلة بين الشعراء؟ لقد وجدنا كيف وضع الآمدي مبدأ الموازنة بين شاعرين، ومثل ذلك فعله من قبله ومن بعده من النقاد، حتى إذا كان ابن الأثير أباح المفاضلة لا بين شاعرين وحسب، بل بين الشعر الذي تتباعد موضوعاته. ولكن حازماً كان اقرب إلى الواقع من أي ناقد آخر في فهمه لمبدأ المفاضلة؛ كان حازم يدرك الحقائق الآتية التي أشار إليها أو وضحها في كتابه وهي:

(1) أن الشعر يختلف بحسب اختلاف أنماطه وطرقه، فشاعر يحسن فيما هو جزل متين، ولا يحسن طريقة الرقة واللطافة، وشاعر يحسن في غرض شعري كالنسيب دون الأغراض الأخرى.

(2) أن الشعر يختلف بحسب الأزمان وما فيها وما يولع به الناس مما له علقة بشئونهم، فهناك زمن تشيع فيه أوصاف الخمر والقيان وزمان آخر يشيع فيه وصف الحرب والغازات أو نيران القرى والسخاء؟ الخ.

(3) ان الشعر يختلف بحسب الأمكنة مما يلهم بعض الشعراء أن يصفوا الوحش (البادية) وآخرين أن يصفوا الخمر (الحاضرة) ؟ الخ.

(4) أن الشعر يختلف بحسب اختلاف أحوال القائلين والموضوعات التي يحاولون فيها القول، فواحد يحسن الفخر، وآخر يحسن في المدح؟ الخ.

لذلك كله فإن المفاضلة بين الشعراء أمر تقريبي ولا يجوز أن يؤخذ على سبيل القطع، والوصول في المفاضلة إلى درجة الجزم أمر غير ممكن، إنما يتم الترجيح فيها على سبيل التقريب، وتكون المفاضلة غير متيسرة في جودة الطبع وفضل القريحة، كما إنها قد تكون ممكنة إذا اجتمع الشاعران في غرض ووزن وقافية؛ ويجب أن ينال الشاعر من التقدير شيئاً كثيراً إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015