طرق الشعر (جد وهزل)

إن ملاءمة الشعر للنفوس أو منافرته لها - حسبما تقرر في الفقرة السابقة - هو المقياس الكبير الذي تقاس به حقيقة الشعر من حيث طرقه والحيل اللازمة فيه وأساليبه ومنازعه، وهي المواد التي سننفرد كلاً منها بالقول.

فأما من حيث الطريقة فإن للشعر منهجين: الجد والهزل، وطريقة الجد تصدر الأقاويل فيها عن مروءة وعقل بنزاع الهمة والهوى إلى ذلك، وطريقة الهزل تصدر الأقاويل فيها عن مجون وسخف، وفي الطريقة الأولى يجب تجنب الهزل، والابتعاد بها عما ألف في الطريقة الهوزلية من أنواع التاليف، أي يجتنب فيها الساقط المولد من الألفاظ ويعتمد فيها اللفظ العربي المحض الصريح في الفصاحة، ويعتمد فيها من المعاني ما لا يشين ذكره ولا يسقط مروءة المتكلم، وأما الطريقة الهزلية فقد تستعير شيئاً من الطريقة الجدية (وليس العكس) وقد قال سقراط، حكاية الهزل لذيذ سخيف أهلها وحكاية الجد مكروهة، وحكاية الممزوج منهما معتدل، ولا نقبل على شاعر يحكي كل جنس، بل نطرده وندفع ملاحته وطيبه ونقبل على شاعرنا الذي يسلك مسلك الجد فقط " (?) . ومن الواضح أن الذي قاد حازماً إلى هذه القسمة تأثره بالنقد اليوناني مختلطاً، فالقسمة إلى جد وهزل هي قسمة الشعر إلى طراغوذيا وقوموذيا، وأما قول سقراط " بل نطرده؟ الخ " فإنه يومئ إلى ما قاله أفلاطون في الجمهورية من الإقبال على الشاعر الذي ينسجم وما تتطلبه مصالح تلك الجمهورية، وطرد الشعراء الذين يهزلون حين ينسبون الخصام إلى الآلهة وما أشبه، ولكن دراسته للمنطقة المشركة بين الطريقتين، وتصوره لها، إنما هما مستمدان من طبيعة دراسته لنماذج هذين اللونين في الشعر العربي (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015