برؤية الشراب في إناء من الزجاج أو البلور. وهو أمر لا يتأتى من وضع الشراب في آنية خزفية، وهذا الجمال يعتمد على اختيار مادة اللفظ وتلاؤم التركيب، وفي هذا تنفرد الأقاويل الشعرية عن غيرها من الأقاويل (?) . غير إن المحاكاة ليست دائماً على درجة واحدة من التأثير، وإنما يكون تأثيرها مساوياً لمقدار الإبداع فيها ومحدداً بحسب استعداد النفس لقبولها، والاستعداد النفسي يعني حالة معينة تكون فيها النفس مستعدة لتقبل محاكاة ملائمة لتلك الحالة، أو هو استعداد عام وذلك يعني " الإيمان بالشعر "، وهذا ما قد فقد في العصور المتأخرة، ولما فقد الشعر منزلته في النفوس، ضاع تأثير المحاكاة أو ضعف إلى الغاية؛ وقد عرضنا من قبل لرأي حازم في هوان الشعر على الناس في عصره (?) .

ويتطرق حازم بعد ذلك إلى سؤال دقيق: وهو لماذا لا يكون التذاذ الناس بالشيء المحكي نفسه أكثر من التذاذهم بالمحاكاة نفسها؟ لم لا تكون اللذة الحادثة من رؤية امرأة جميلة اكبر بكثير من رؤية تمثال فني لتلك المرأة؟ فيقول أن اللذة حادثة في الحالين إلا أنها مختلفة في طبيعتها. فاللذة من رؤية الشيء نفسه. نابعة من حسن ذلك الشيء، أما اللذة من المحاكاة فإنها نابعة من " التعجيب ". ثم إن الشيء المحكي ربما لم يكن حسناً في كل حال، ولكن تخييله بالمحاكاة لا ينفي قدرته على العجيب في كل حال؛ ولنأخذ مثالا من الطبيعة: إن منظر الشمعة أو المصباح ربما كان جميلاً، ولكن انعكاس صورة الشمعة أو المصباح على صفحة مائية صافية أجمل بكثير من الشيئين في الواقع، أولاً لحدوث إقترانات جديدة (بين الضوء وصفحة الماء) وثانياً لان هذه الصورة اقل تكراراً من رؤية الشمعة نفسها، والنفس إلى ذلك أميل ذهاباً مع الاستطراف (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015