الموقف الدفاعي
ولقد كانت الغاية الأولى من تأليف " الذخيرة " هي جذب الأندلسيين إلى تخليد تراثهم والاعتزاز به، ولهذا ندد بهم ابن بسام في مقدمته لأنهم يهملون ما لديهم من أدب ويقبلون بالتقليد على أدب المشارقة، ويكبرون كل شيء ورد من جهة المشرق: " إلا أن أهل هذا الأفق أبوا إلا متابعة أهل المشرق، يرجعون إلى أخبارهم المعتادة، رجوع الحديث إلى قتادة، حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا على هذا صنماً، وتلوا ذلك كتاباً محكماً. وأخبارهم الباهرة وأشعارهم السائرة مرمى القضية ومناخ الرذية، لا يعمر بها جنان ولا خلد، ولا يصرف فيها لسان ولا يد، فغاظني منهم ذلك وأنفت مما هنالك، وأخذت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري وتتبع محاسن أهل بلدي وعصري، غيرة لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره أهلة، وتصبح بحاره ثماداً مضمحلة " (?) ؛ غير أن ابن بسام - رغم هذه الحماسة لوطنه وما فيه من شعر ونثر - كان من أكثر الناس التفاتاً إلى المشرق، فهو يبني كتابه أولاً وفي ذهنه نموذج اليتيمة للثعالبي، وهو إذا وقف عند كثير من أشعار أهل بلده لم يقف عندها إلا ليبين كيف أن معانيها مأخوذة من أشعار المشارقة. وقد يغتفر هذا الموقف لديه، لأنه كان يريد ان يظهر مبلغ ثقافته، ويربط بين الشعر المشرقي والمغربي على وجه من الدراسة المقبولة في عصره (دراسة السرقة والأخذ) ولكنه لا يعذر في أمر آخر وهو تصديه لتخليد الشعر دون إيمان عميق به، ولا ندري لماذا شاء ان يعلن عن هذه الناحية: أكان حقاً لا يؤمن بالشعر أم كان يداري نظرة سائدة في زمانه إلى الشعر حين قال: " جدة تمويه وتخيل، وهزله تدليه وتضليل، وحقائق العلوم أولى بنا من أباطيل المنثور والمنظوم " (?) .