الروحانية وأثرها في التناسب الذي يعد سر الجمال في الشعر

وقد بنى سائر ما تبقى من رسالة التوابع والزوابع على صور تهكمية فيها من شأن علماء اللغة وبخاصة ابن الافليلي شارح ديوان المتنبي. فأما في رسائله البيانية الأخرى فإنه واجههم بالهجوم السافر، وعنفهم لاعتقادهم أن بضاعتهم وسيلة لتعليم البيان فقال: " وإصابة البيان لا يقوم بها حفظ كثير الغريب واستيفاء مسائل النحو بل بالطبع مع وزنه من هذين؛ ومقدار طبع الإنسان إنما يكون على مقدار تركيب نفسه مع جسمه " (?) ، ويشرح ابن سعيد هذه الفلسفة الجديدة فيبين أن من تغلبت نفسه على جسمه كان مطبوعاً روحانياً فتجيء الصور عنه في أجمل هيأة، وأما الآخر الذي يستولي جسمه على روحه فإن صور الكلام تتكون لديه ناقصة. وأصحاب الروحانية قد يأتون بكلام جميل مؤثر في النفوس دون أن يكون للكلام في ذاته جمال خاص، وهذا هو الغريب وهو أن يتركب الحسن من غير الحسن؛ كقول امرئ القيس:

تنورتها من اذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي (?) وهذه نظرية طريفة في الجمال " تركب الحسن من غير حسن "، تعد من ابتكار أبي عامر، ولعله يعني بها أن كل جزء على حدة ليس فيه جمال، فإذا تم تركب الأجزاء شعت بجمال ناجم عن التركيب المنسجم. ونظرية أبي عامر في الطبع المؤيد بالثقافة (اللغوية والنحوية) ليست جديدة علينا، ولكن تفسير الطبع بأنه غلبة النفس على الجسم لم يرد عند المشارقة؛ أتراه من تأثير ابن حزم نفسه في تفسير قضية الحب كما عرضها في " طوق الحمامة "؟

وهذا الجمال ناشئ عن الانسجام هو الذي جعل ابن شهيد يمعن في الإلحاح على ان " للحروف انساباً وقرابات تبدو في الكلمات، فإذا جاور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015