الانتصار للشعر على النثر
ويطالعنا ابن رشيق بأنه من أنصار الشعر، ولذلك نجده بيداً المفاضلة بين الشعر والنثر، كأن الخوض فيها يعد أمراً لازباً، وما هي إلا مسألة نقدية تجريدية، وفي أثناء تبيانه لفضل الشعر يقول: وكان الكلام كله منثوراً فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها وطيب أعراقها؟ فتوهموا اعاريض جعلوها موازين الكلام فلما تم لهم وزنه سموه شعراً لأنهم شعروا به أي فطنوا " (?) ، (وإنما أوردت هذه العبارة لاشير إلى أن ورودها في تضاعيف الكلام يوهم إنها لابن رشيق، وإنما هي عبارة عبد الكريم التي قدمنا ذكرها قبل قليل، وأمثلة هذا كثيرة في الكتاب) . ثم هو يرد على المحتجين للنثر بان القرآن لم يجيء منظوماً، وكأنه يضع نصب عينه حديث المرزوقي، ورده عليه غاية في الدقة: إذ يرى أن مجيء القرآن منثوراً أظهر في الأعجاز لقوم شعراء، وهو ليس بشعر، كما أنه اعجز الخطباء وليس بخطبة والمترسلين وليس بترسيل، غير ان العرب حين حاروا في أمره سموه شعراً لما في قلوبهم من هيبة الشعر وفخامته، فإذا عرض لحجة المرزوقي بان الشعراء وضعوا من الشعر بمدح السوقة، ذكر أن للسوقة كتاباً " وللتجار الباعة في زمننا هذا وقبله ".
الكذب في الشعر
وأضاف إلى هذا حججاً من عنده في فضل الشعر حين حور معنى الكذب فيه وقال: اجتمع الناس على قبح الكذب ولكنهم وجدوا الكذب في الشعر حسناً، وهذه مغالطة لا تخفى ولكن الموقف الجدلي اضطر ابن رشيق إليها. وتعرض لقول المرزوقي: " الشعر أسنى مروءة الدني وأدنى مروءة السري " فذهب إلى أن بعض الناس غاب عنه معنى هذه الملة، وغنما الشعر لجلالته يرفع من قدر الخامل إذا مدح به، مثلما يضع من قدر