الكريم غزل عمر بن أبي ربيعة وإضرابه، فإن ملمحه هذا على ما فيه من جدة غنما يعتمد أساساً اخلاقياً، وذلك ليتخذ من هذا دليلاً على " كرم النحيزة في العرب وغيرتها على الحرم " (?) .

أثر البيئة في الشعر

ولكن اعمق ملمح آثاره عبد الكريم هو أثر اختلاف البيئات عامة في الشعر والذوق: " وقد تختلف المقامات والأزمنة والبلاد، فيحسن في وقت ما لا يحسن في آخر، ويستحسن عند أهل بلد ما لا يستحسن عند أهل غيره، ونجد الشعراء الحذاق تقابل كل زمان بما استجيد فيه وكثر استعماله عند أهله بد أن لا تخرج من حسن الاستواء وحد الاعتدال وجودة الصنعة، وربما استعملت في بلد ألفاظ لا تستعمل كثيراً في غيره كاستعمال أهل البصرة بعض كلام أهل فارس في أشعارهم ونوادر حكاياتهم؟ والذي اختاره أنا التجويد والتحسين الذي يختاره علماء الناس بالشعر ويبقى غابره على الدهر " (?) . وأصل هذا الرأي موجود عند الجاحظ الذي تحدث عن اختلاف البيئة، كما تحدث في البيان والتبيين عن تباين اللهجات في الأمصار. ولكن عبد الكريم قد نقل هذا إلى مستوى جديد حين تحدث - في أفريقية - عن اختلاف إقليمي يترك أثره في الشعر، وبدلاً من أن يذهب إلى اعتناق هذا الاتجاه الإقليمي يترك أثره في الشعر، وبدلاً من ان يذهب إلى اعتناق هذا الاتجاه الإقليمي رأى ان الشعر الخالد " الذي يبقى غابره على الدهر " ليس هو الذي يتشبث بملاءمة البيئة الاقليمية، وإنما هو الذي ينبني على " التجويد والتحسين " ويستضيء بضوء الأحكام النقدية العامة. وسترى كيف أن ابن رشيق اعتنق مذهب أستاذه ودافع عنه، ولكن قبل أن نمضي عن هذا الرأي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015