الرماني والإعجاز
ويبدو ان الرماني (- 386) الذي كان شديد التأثر بالمنطق اليوناني (?) - اطلاعاً عليه أو تشبهاً بطريقة المناطقة - قد عرق شيئاً من قسمة بعض الباحثين اليونانيين للأسلوب في ثلاثة أنواع: رفيع ومتوسط وعادي، فنقل هذه القسمة إلى البلاغة فقال: " فأما البلاغة فهي على ثلاث طبقات: منها ما هو في أعلى طبقة ومنها ما هو في أدنى طبقة، ومنها ما هو في الوسائط بين أعلى طبقة وأدنى طبقة، فما كان في أعلاها طبقة فهو معجز، وهو بلاغة القرآن، وما كان منها دون ذلك فهو ممكن كبلاغة البلغاء من الناس " (?) ثم يعرف البلاغة بأنها " إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ " (?) فمنذ الخطوة الأولى نجد الرماني قد لمح الأثر النفسي للبلاغة لكي يجعل المعجز منها اشدها تأثيراً. ثم قسم البلاغة في عشرة أقسام هي: الإيجاز والتشبيه والاستعارة والتلاؤم والفواصل والتجانس والتصريف والتضمين والمبالغة وحسن البيان (?) ، وأفرد لكل نوع فصلاً على حدة. ومن الواضح ان هذه القسمة لأنواع البلاغة تنتمي إلى مصادر مختلفة فبعضها في الصورة وبعضها في النظم وبعضها في المعنى، ومنها ما يتصل باللفظة الواحدة (كالفواصل) ، ولاختلاف مصادرها كانت قسمة متداخلة غير منطقية؛ ويكثر الرماني من الحدود والتعريفات الجزئية معتمداً أيضاً أسساً مختلفة في التقسيم: فالإيجار عنده على وجهين: حذف وقصر؛ والإيجاز على وجهين: أحدهما إظهار النكتة بعد الفهم لشرح الجملة، والثاني إحصار المعنى بأقل