لقراءة شعر المتنبي، من زوايا مختلفة، على مر الزمن (?) . وأكتفي هنا بإيراد مثلين على ذلك: يقول أبن جني في شرح البيت الثاني من هذين البيتين:
(فحب الجبان النفس أورده التقى ... وحب الشجاع النفس أورده الحربا)
ويختلف الرزقان والفعل واحد ... إلى أن ترى إحسان هذا لذا ذنبا " إن الرجلين ليفعلان فعلاً واحداً فيرزق أحدهما ويحرم الآخر، فكأن الإحسان الذي رزق به هذا هو الذنب الذي حرم به هذا؟ " (?) فيتعقبه أبو العباس أحمد بن علي الأزدي المهلبي بقوله: " وأقول: إنه لم يفهم معنى البيتين، ولا ترتيب الآخر منهما على الأول، ومعنى البيت الأول أن الجبان يحب نفسه فيحجم طلباً للبقاء، والشجاع يحب نفسه فيقدم طلباً للثناء، والبيت الثاني مفسر للأول يقول: فالجبان يرزق بحبه نفسه الذم لإحجاءه، والشجاع يرزق بحبه نفسه المدح لإقدامه، فكلاهما محسن إلى نفسه بحبه لها، فاتفقا في الفعل الذي هو حب النفس واختلفا في الرزقين اللذين هما الذم والمدح، حتى إن الشجاع لو أحسن إلى نفسه بترك الإقدام كفعل الجبان لعد ذلك له ذنباً، فهذا هو المعنى، وهذا في غاية الإحكام، بل في غاية الإعجاز، لا ما فسره " (?) ، ومن تأمل الشرحين وجد حقاً أن أبن جني لم يدرك ما أراده أبو الطيب.