فإن ابن جني قال له: أجعلت الرجل أبا زنة (أي قرداً) فضحك المتنبي، وفهم ابن جني من هذا الضحك أن الشاعر كان يريمي إلى ما وراء المدح من معنى، ولهذا خرج بهذا الاستنتاج: " وهذا مذهبه في أكثر شعره لأنه يطوي المديح على هجاء حذقاً منه بصنعة الشعر وتداهياً في القول " (?) .

اهتداء ابن جني إلى الجرأة النفسية لدى المتنبي

كذلك تنبه ابن جني إلى ظاهرة نفسية هامة تفسر شيئاً كثيراً مما أنكره خصوم المتنبي، ولو درس شعر المتنبي على مستواها لكشف الدرس عن مظاهر متميزة فيه، فقد وقف عند قوله:

يعلمن حين تحيا حسن مبسمها ... وليس يعلم إلا الله بالشنب فقال معلقاً: " وكان المتنبي يتجاسر في ألفاظه جداً؛ ألا تراه يقول لفاتك يمدحه:

وقد يلقبه المجنون حاسده ... إذا اختلطن وبعض العقل عقال أفلا ترى كيف ذكر لقبه على قبحه، وتلقاه وسلم أحسن سلامة، ولولا جودة طبعه وصحة صنعته لما تعرض لمثل هذا؛ وكذلك ذكره مبسمها وحسنه وشنبه، ومفرقها في البيت الذي يتلوه. ومن ذا الذي كان يجسر على تلقي سيف الدولة بذكر مثل هذا من أخته؛ وآل حمدان أهل الأنفة والإباء وذوو الحمية والامتعاض؛ وأكثر شعره يجري هذا المجرى من إقدامه وتعاطيه، فإذا تفطنت له وجدته على ما ذكرت لك " (?) ؛ فهذا ملمح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015