الروايات تشير إلى محاولة بذلها بعض أصدقاء المتنبي والمعجبين به ليخففوا من تيار النقد المتوجه ضده؟ لا نستطيع أن نقطع بذلك ولكنا نميل إلى القول بان رواية الصاحب لو كانت هي المغيرة، لكانت أضعف الروايتين، ولما أثبتت في نسخ الديوان إلا على سبيل الاستعانة. وهذا ابن جني قد جاء بعدة روايات لم يأخذ بها شراح الديوان من بعد، مما قد يشير إلى أن رواية ديوان المتنبي تتطلب دراسة مقارنة مستقلة.

وقد أثارت رسالة الصاحب حنق أنصار المتنبي وهجومهم عليها، فلا نستبعد أن تكون من الأسباب التي حفزت إلى تأليف كتاب الوساطة كما كانت محطاً لهجوم ابن فورجة من بعد، وهذا ما سنعرض له في موضعه.

شرح ابن جني (- 392) وما أناره من ردود

أين هم المتعصبون للمتنبي؟

اشتد خصوم المتنبي في الحملة عليه، دون أن تكون دوافعهم خفية أو مأخوذة بشيء من الامداراة، وقد كانوا دائماً يحاولون أن يسوغوا مواقفهم بما يجدونه لدى أنصاره من مغالاة في التعصب له. ومن غريب الأمر أن لا نسمع أصوات أولئك الأنصار ولا نتعرف إلى أشخاصهم ولا نجد لهم آثاراً مكتوبة في الدفاع عن صاحبهم، أثناء القرن الرابع؛ ثم أن نجد المؤلفات تتلاحق في العراق وفارس ومصر للرد على أولئك الأنصار الذين اكتفوا بالموقف الشفوي؛ وليس في الحالين تكافؤ: فأنصار المتنبي يضيعون جهودهم في أحاديث المجالس والحلقات، بينا يخلد خصومه مذمته في الكتب والرسائل. وإذا تحدثنا عن الأنصار هنا فإنما يعني أولئك الذين كانوا - كما زعم الخصوم - يرون في المتنبي شاعراً فاق كل من قبله من الشعراء، وأنه لم يأخذ شيئاً من معاني غيره وإنما كان مبتكراً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015