قريحته ليتفنن في التعليق الساخر، فكان نسيج وحده في هذا المضمار لم يبلغ مبلغه الحاتمي في حدة الانفعال، ولا شأى شأوه العميدي في التعليقات التهكمية؛ فمن أمثلة ذلك: " وهذا التحاذق منه كتغزل الشيوخ قبحاً ودلال العجائز السماجة " (?) وفي استعمال لفظة " جبرين " يقول: " وقلب هذه اللام إلى النون أبغض من وجه المنون، ولا أحسب جبريل عليه السلام يرضى منه بهذه المجازاة " (?) وقوله في لفظة " المتديريها ": " لو وقعت في بحر صاف لكدرته، أو ألقي ثقلها على جبل سام لهدته، وليس للمقت غاية ولا للبرد نهاية " إلى غير ذلك من التعليقات.

نقد وتعقيب لرسالة الصاحب

وقد تكون أكثر ما عابه صحيحاً، ولكن يجب أن ننتبه إلى أمور: أولها أن هذا القسم المعيب ليس مما استكشفه الصاحب يبالغ حذقه، وإنما هو ما كان يدور على الألسنة من مستغرب ما جاء به المتنبي؛ والثاني أنه كان باستطاعته الكشف عنه دون لجوء إلى ما يشعر بالتحامل فكأنه ليس له في الرسالة إلا هذه التعليقات اللاذعة؛ والثالث أن هذه العيوب جميعاً لا تسقط شاعراً، ورابعها أن النقد ليس محض تعداد للسيئات؛ وخامسها: أن رسالته نفسها معيبة للاضطراب القائم بين طبيعة مقدمتها ومتنها، ثم لعدم بنائها على أصول واضحة، فهي بالخواطر المرسلة أشبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015