الأنباري فجمع أبياتاً اختارها من شعر أبي الطيب واقترح عقد جلسة ثالثة، حضرها - فيما زعم الحاتمي - السيرافي والرماني وأبو الفتح المراغي وأبو الحسن الأنصاري المتكلم وغيرهم من أعلام أهل العلم والأدب، وكان علي بن هارون فيهم من أنصار الحاتمي. ثم كان المجلس الرابع باقتراح المهلبي نفسه ليتم التفاوض بين الحاتمي وأبي الطيب في شعر الطائيين.

التفاوت بين المجالس الأربعة

ومع أن الكشف عن السرقات هو الظاهرة المشتركة بين جميع المجالس، فإن هناك تفاوتاً واضحاً فيما بينها، يدل على تصميم مدروس تقتضيه طبيعة التأليف، وتبعد عن الواقعية التاريخية؛ حتى الجلسة العفوية الأولى لم تظل كذلك، بل عاد عليها الحاتمي بالترتيب والتنسيق، والتقديم والتأخير، وحشد الآراء في تضاعيف الهجوم، ومما يدل على هذا، ذلك الاختلاف بين نص الموضحة في شكلها الأخير وبين النص الذي أورده ياقوت، وهو قد نقله كما وجده.

ويتميز المجلس الأول بوضع القواعد النقدية وشرحها وإيراد الأمثلة عليها ومدى مباينة أبي الطيب في بعض شعره لها. هنالك يضع الحاتمي حد الشعر: " حدود الشعر أربعة وهي اللفظ والمعنى والوزن والتقفيه. ويجب أن يكون ألفاظه عذبة مصطحبة ومعانيه لطيفة واستعاراته واقعة وتشبيهاته سليمة وأن يكون سهل العروض رشيق الوزير متخير القافية، رائع الابتداء بديع الانتهاء " (?) . ويوضح الحاتمي ان التفاوت بين الأبيات عيب كبير يشبه ما عابه النقاد القدامى من انعدام القران؛ فهو يقر لأبي الطيب بأنه يحسن في الصياغة والمعاني إحساناً لا يجهله نقاد الكلام وأرباب البيان " إيجازاً في عبارته وإبداعاً في نظمه وصواباً في معناه وسلامة في لفظه " ولكنه يشفع ذلك بأبيات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015