عند الحديث عن النقد الذي دار حوله، ان هذا الجانب لم ينل عناية كبيرة من النقاد، وان أثره لم يدرس إلا في مواضع قليلة، منها رسالة الحاتمي التي وقفنا عندها في هذا الفصل.
الحاتمي والمفاضلة بين النظم والنثر
وقد شارك الحاتمي أيضاً في الإجابة عن تلك المسالة التي دار الجدل كثيراً حولها في حلقات أولئك المفكرين واعني بها قضية المفاضلة بين النظم والنثر، فكان من القائلين بتفضيل الأول على الثاني، إذ نسمعه يقول: " وأولى هذين بالمزية والقدم المتقدمة، المنظوم، فإنه أبدع مطالع وأنصع مقاطع وأطول عناناً، وأفصح لساناً، وأنور انجماً، وانفذ أسهماً، وأشرد مثلاً، وأسير لفظاً ومعنى " (?) . ويتحدث الحاتمي أيضاً عن المنظوم فيميزه برشاقة في الانسجام وبالخلود وبأنه اجمع للبديع، وانه أبلغ أثراً في النفس من المنثور؛ غير أن النثر خير منه إذا جاء الشعر " غير معتدل النظم ولا متناسب القسمة ولا مقبول العبارة وكانت معانيه بعيدة وألفاظه شريدة " (?) بل أن المنثور " مطلق من عقال القوافي فإذا صفا جوهره، وطاب عنصره، ولطفت استعارته ورشقت عبارته كاد يساوي المنظوم " (?) .
الحاتمي وقضية الصدق والكذب في الشعر
ولم يكن الحاتمي موقف حاسم من قضية " أعذب الشعر أكذبه " تلك القضية التي رأينا صلتها بالفكر الفلسفي، فحين تحدث عن الإغراق (وبعضهم يسميه الغلو) قرر ان العلماء في هذا مختلفون، فبعضهم يرون أبيات الغلو من إبداع الشعر الذي يوجب له الفضيلة اعتماداً على ما قيل " أحسن الشعر أكذبه "، وهذا الفريق يقول: إذا أتى الشاعر من الغلو بما يخرج به