فمن أقوال ذيوجانس بذلك قوله حين رأى رجلاً شريراً حسن الوجه: " نعم البيت وبئس الساكن " (?) .
إذن فإن نسبة الأقوال إلى أرسطو تعتمد على نوع من التجوز، وهو شيء لا نعد الحاتمي مسئولاً عنه، لأن أقوال أولئك الحكماء اختلطت إذ كان المقصود منها محتواها، لا مدى الصحة في نسبتها؛ بل إن بعض الأقوال التي أوردها الحاتمي لا يمكن أن يصدر عن أرسطو مثل " الظلم من طبع النفوس " أو " ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك: ولدك وزوجك ومملوكك، فسبب صلاحهم التعدي عليهم ".
ولكن الرسالة على وجه الإجمال تضعنا في جو حكمي فلسفي إذ إنها تتناول شئون الطباع والنفس والشهوة والعقل والزمان والأخلاق، من جبن وغلبة وظلم وحلم وعجز وفضل وحكمة ومحبة وعشق وحرص على المال. وبعضها واضح الصلة بالفلسفية الأفلاطونية مثل: " إذا تجوهرت النفوس الفلسفية لحقت بالعالم العلوي " ومثل: " موت النفوس حياتها وعدمها وجودها لأنها تلحق بعالمها العلوي " كما ان بعضها قد يصوغه المرء المجرب اعتماداً على خبرته في الحياة، دون حاجة إلى أن يعتمد فيه على أفلاطون أو أرسطو، مثل: " إذ كان البناء على غير قواعد كان الفساد أقرب إليه من الصلاح ". ومثل: " إذا لم ترفع عن قدر الجاهل، رفع الجاهل قدره عليك " ولولا أن الحاتمي كان مشغولاً بالاستكثار من التشابه بين شعر المتنبي والفلسفة لأرجع كثيراً من تلك الأقوال - وهو امرؤ كثير المحفوظ - إلى ما عرفه من حكمة العرب. وهذا الاستكثار جعل الحاتمي يفرق الأقوال المتصلة بموضوع واحد، على تقاربها أحياناً، وحسبك أن تقرأ ما أورده حول الفناء وفعل الزمان لتجد هذا التقارب والتشابه في مثل: تعاقب أيام الزمان مفسد لحال الحيوان - الزمان ينشئ ويلاشي -