نحن استثنينا الغزل) على قاعدة أخلاقية ركينة. فلما كان الهجاء إنكاراً لإنسانية المهجو صح حينئذ أن نعيره بفقدان هذه القاعدة. لكي نحقره إلى نفسه فيتعظ بحاله غيره.
تتبع العلاقة بين قدامة وكتاب الشعر لارسطو
وفي هذا الصدد يثور أمامنا سؤالان كبيران: أولهما كيف اهتدى قدامة إلى هذا التفسير؟ والثاني كيف نوفق بين هذه القاعدة الأخلاقية وبين إقرار قدامة بالغلو لدى الشاعر والفحش والتناقض؟ ففي الإجابة عن هذين السؤالين يتضح جانب كبير من جهد قدامة الناقد.
والسؤال الأول من هذين وهو: كيف اهتدى قدامة إلى هذا التفسير، يردنا إلى كتاب الشعر لأرسطو، لقد ذكر الأستاذ بونيبكر في مقدمته على كتاب قدامة (?) أنه لم يجد صلة بين هذا الكتاب وبين بويطيقا أرسطاطاليس، ولكن التدقيق في ترجمة متي - التي اطلع قدامة على ترجمة شبيهة بها فيما يبدو - قد يشير إلى رأي مخالف.
لقد قدمنا القول بأن الترجمة العربية بكتاب الشعر قد سمت التراجيديا والكوميديا باسم المديح والهجاء. ويبدو أن هذه التسمية الخاطئة قد رسخت في ذهن قدامة أن العرب واليونان يشتركون في هذين الفنين. وان اليونان قد سهلوا له الطريق حين وضعوا لهما قواعد نقدية، وبحسب ما تستطيع أن تؤديه الترجمة العربية يدور المديح على أعمال الأفاضل والهجاء على أعمال الأراذل: " فقد يجب أن يكون هؤلاء إما افاضل، وإما أراذل، وذلك ان عاداتهم واخلاقهم بأجمعهم إنما الخلاف بينها بالرذيلة والفضيلة؟ وبهذا الفصل بعينه الخلاف الذي للمديح عن الهجاء " (?) ؛ وما دام المديح