الأمر أخص بالشعر من سائر الأسباب الأخر، وأن الناس قد قصروا في وضع متاب فيه، رأيت أن أتكلم في ذلك بما يبلغه الوسع " (?) ؛ فالنقد لدى قدامة " علم " ومجاله تخليص الجيد من الرديء في الشعر، أما سائر ما يتعلق بالشعر من علوم العروض والوزن والقوافي والغريب واللغة والمعاني، فليس مما يدخل في باب النقد إلا على نحو عارض، وقد أكثر الناس في التأليف في تلك العلوم وقصروا في علم النقد.

حد الشعر عند قدامة

ومنذ البداية يبدو قدامة متأثراً بالمنطق الأرسططاليسي، متجاوزاً المفهوم اليوناني للشعر، في آن معاً. فهو في حده للشعر، وفي حرصه على أن يكون ذلك الحد مكوناً من جنس وفصل يدل على أنه يترسم ثقافته المنطقية، " الشعر قول موزون مقفى يدل على معنى " فكلمة قول: بمنزلة الجنس، وموزون فصل له عما ليس بموزون، ومقفى فصل عما هو موزون ولا قوافي له، ودال على معنى فصل له عما يكون موزوناً مقفى ولا يدل على معنى. غير أن وضعه " المقفى " صفة فاصلة للشعر تدل على أنه يؤثر أن يستقل بحديثه عن الشعر العربي، وأنه لا يحتاط كما أحتاط الفارابي من بعد بقوله " إن للعرب من العناية بنهايات الأدبيات التي في الشعر أكثر مما لكثير من الأمم التي عرفنا أشعارهم " (?) ، ولا يحتاط شأن أبن سينا حين قال: " الشعر هو كلام مخيل مؤلف من أقوال موزونة متساوية وعند العرب مقفاة " (?) . وقد كان هذا التعريف مورطاً لقدامة على الصعيد المنطقي، لأن القافية لا تعدو أن تكون لفظة فهي جزء من " القول " أو ركن " اللفظ " أي هي داخلة في " اللفظ " وفي " المعنى " وفي " الوزن "، فإفرادها خروج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015