الشعر نتاج الوعي المطلق

غير أن هذا الالتزام بالسنة - لدى ابن طباطبا - لا يعدو مرحلة الاستعداد والتثقيف والدرس والتحصيل، لأنه لا يلبث عند الخوض في طريقة بناء الشعر أن يقضي قضاء مبرماً على ما سماه النقاد بشعر الطبع عند العرب، وان يعتمد صنعة جديدة المضمون والطريقة في النظم، وتعد نظرته هذه ابتعادا صارخاً عن مفهوم " الغريزة " إذ يصبح الشعر لديه " جيشان فكر " - قائماً على الوعي التام المطلق، خاضعاً للتفقد في اللفظة بعد اللفظة والشطر بعد الشطر والبيت أثر البيت، فهو لا يعترف بطاقة تنظم السياق أو انفعال يبعث تدافع القول، وإنما القصيدة لديه كالرسالة تقوم على معنى في الفكر، فإذا أراد الشاعر نظماً وضع المعنى في فكره نثراً ثم أخذ في صياغته بألفاظ مطابقة، وقد تأتيه أبيات غير متناسقة فيأخذ في تنسيها حتى تطرد وتنتظم، فإذا وجد موضعاً يحتاج بيتاً لاستكمال السياق نظمه وأدرجه في موضعه، فإذا انتهت القصيدة عاد عليها يحاكم ألفاظها فاستغنى عن كل لفظة مستكرهة ووضع بدلها لفظة سهلة نقية، " وغن اتفقت له قافية قد شغلها في معنى من المعاني واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الأول وكانت تلك القافية أوقع في المعنى الثاني منها في المعنى الأول، نقلها إلى المعنى المختار الذي هو احسن، وأبطل ذلك البيت أو نقض بعضه وطلب لمعناه قافية تشاكله " (?) ، ويقول أيضاً في موضع آخر من كتابه: " وينبغي للشاعر أن يتأمل شعره وتنسيق أبياته ويقف على حسن تجاورها أو قبحه، فيلائم بينها لتنتظم معانيها له ويتصل كلامه فيها ولا يجعل ما قد ابتدأ وصفه أو بين تمامه فصلاً من حشو ليس من جنس ما هو فيه؟ كما انه يحترز من ذلك في كل بيت. فلا يباعد كلمة عن أختها ولا يحجز بينها وبين تمامها بحشو يشينها. ويتفقد كل مصراع. هل يشاكل ما قبله؟ " (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015