تاريخ المستبصر (صفحة 107)

كان ملك من ملوك كشك ومات وملك ابنه من بعده الملك. فأبصر من البضائع جمل فأطلق يده في البيع فباع وصار التجار تدخل حوفا بعد حوف يشتري كل منهم ما أراد وصلح له. فدخل الشيخ أبو طالب بن علي بن سويد ويقال عبد اللطيف ولد أبي طالب بن علي بن سويد التكريتي إلى مخازن النيل بقي منها أثنى عشر قطعة ووزن ثمنها ورفعها وسافر بها وكتب الله له السلامة إلى أن وصل تكريت. فجاء يهودس صباغ يشتري منه قطعة فأخذ قطعة ليرى العين فإذا هي قطعة ملوها لؤلؤ. فلما ابصر الشيخ أبو طالب ذلك قال لليهودي: ادفع قطعة نيل وأنت في حل منه واكتم ما رأيت! وخرج اليهودي بما معه وقام الشيخ أبن سويد علم ولده ثقب اللؤلؤ فصار الولد يثقب كل حبة تشبه بيض الدجاج ينفذ بعقود اللؤلؤ من تكريت إلى أعمال القسطنطينية العظمى وإلى آخر أعمال المغرب وإلى آخر الهند والترك وهو يبيع منه إلى الآن. قال أبن المجاور: وكان السبب في تلك القطعة إنّ الملك كان يبقي اللؤلؤ فما كان من حبة غالية كبيرة مليحة تركها في الكيس إلى إنّ كثر الشيء عليه. فلما زاد خيط له كيسا وعبى اللؤلؤ المتغالية وخيشه بخيش وركب عليه أربع عرى وجلده بجلد بقر فرع يشبه قطعة النيل وعلم فيها علامة يعرفها وعبأها بين النيل. فلما حصلت في نصيب أبن سويد فيقال إنّه لم يعرف لمّاله قياس ولا حدّثني من بركات تلك القطعة. كما قيل:

يفوت الغنى من لا ينام عن السرى ... وآخر يأتي رزقه وهو نائم

فصل جزيرة قيس

جزيرة يصح دورها ثلاثة فراسخ مصارية طول في عرض وهي ذات نخل وزرعات الرقظ نخل الملك وما والاها سحل يحفر الإنسان الرمل بيده فينبع عليه الماء الحلو فراتا. ويقال أن فيها كاريز جاري في بستان الملك وحفرت الملوك بها أحواضا وصهاريج في أوّل العهد وبقيت تعمر إلى الآن يملأها ماء العيون والسيول. مأكولهم السمك ويعملون منه الهرائس ويؤكل مع التمر وليس لأهلها مأكول سواء. ولم يتناولوا الطعام إلاّ باليد اليمنى لا غير وإذا كسر الإنسان بيده فهو عيب عظيم. وبناء القوم بالحجر والجص ودورهم ذات علو ورفعة يجعل أحدهم في البناء سبعة طبقات وكل دار منها شبه حصن مانع. ولا يزال بها أشجار نقلت من البصرة ويزرع به البقول وسائر الخضراوات. وفي أهلها عرق تكبر وعرق خفة وعرق جنون كما يقال: الجنون فنون. ينسبون إلى قيس بن الملوح ويقال إلى امرئ القيس والأصح إلى قيس بن زهير، وقد تقدم ذكره. لبسهم من أعمال المهدية بالمغرب ويرجعون يرخون هدبات العمائم طوال، وهم رجال البحر وليس لصاحبها خيل ولا عسكر إلاّ التوابح والبومات والهامق شبه العقارب وتجري على وجه البحر، وقد عنقوا ببلدة وسكان. ولبس نسائهم السواد. وإذا تزوج رجل امرأة وأعطاها مائة دينار أعطته المرأة مائة أخرى وكتبت عليه قبالة دين حال قار بمبلغ مائتي دينار. وكم ما زاد الرجل في المهر زادت المرأة في النقد وإذا نقص من المهر بقص من النقد. وهم قوم يعزون الغرباء ولهم بهم عناية عظيمة. وتحكم نساء هذه الأعمال على رجالها وما يفعل الرجل إلاّ ما تقول زوجته من صلاح الأمر أو فساد حال. وهذا خلاف ما قاله رسول الله (: شاوروهم وخالفوهم فان في مخالفتهم بركة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015