حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا أُبَالِي أَنْ يَهْلِكَ الْحَيَّانِ جَمِيعًا فَلَا قَيْلَ وَلَا مَلِكَ، أَلَا فَلَعَنَ اللَّهُ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ: جَمْدًا وَمِشْرَخًا وَمِخْوَسًا وَأَبْضَعَةَ، وَأُخْتَهُمُ الْعَمَرَّدَةَ " قَالَ أَبُو زَيْدِ بْنُ شَبَّةَ: وَكَانَ مِخْوَسٌ وَمِشْرَخٌ وَجَمْدٌ وَأَبْضَعَةُ بَنُو مَعْدِي كَرِبَ بْنِ وَلِيعَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُجْرٍ الْقَرَدِ، وَفَدُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ -[544]- فَأَسْلَمُوا، ثُمَّ ارْتَدُّوا فَقُتِلُوا يَوْمَ النُّجَيْرِ، وَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَادٍ يَمْلِكُهُ، فَسُمُّوا بِذَلِكَ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ، وَقِيلَ فِيهِمْ:
[البحر الرجز]
يَا عَيْنُ بَكِّي لِلْمُلُوكِ الْأَرْبَعَةِ ... جَمْدٍ وَمِخْوَسٍ وَمِشْرَخٍ وَأَبْضَعَةَ
قَالَ أَبُو زَيْدِ بْنُ شَبَّةَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَمْ يَكُنْ مِنْ كِنْدَةَ مَلِكٌ قَطُّ، إِلَّا أَنَّ نِزَارًا لَمَّا كَثُرَتْ وَخَافَ بَعْضُهَا بَعْضًا أَجْمَعَتْ قَبَائِلُ مِنْ رَبِيعَةَ أَنْ يَأْتُوا تَبَعًا فَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلًا يَكُفُّ قَوِيَّهُمْ عَنْ ضَعِيفِهِمْ، عَلَى أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا، فَوَجَّهَ مَعَهُمُ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حُجْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِيَّ، وَهُوَ جَدُّ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْكِنْدِيِّ الشَّاعِرِ، فَصَارَ إِلَى بَطْنِ عَامِرٍ فَنَزَلَهَا وَفَرَّقَ بَنِيهِ، فَجَعَلَ ابْنَهُ يَزِيدَ عَلَى كِنَانَةَ، وَابْنَهُ حُجْرًا عَلَى بَنِي أَسَدٍ، وَابْنَهُ شُرَحْبِيلَ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ وَعَبْدِ مَنَاةَ، وَابْنَهُ سَلَمَةَ عَلَى بَنِي ثَعْلَبٍ، وَغَزَا مُلُوكَ غَسَّانَ بِالشَّامِ، وَمُلُوكَ لَخْمٍ بِالْحِيرَةِ، حَتَّى أَحَجَّهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ إِلَى تَكْرِيتَ، فَأَشَارَ سُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعٍ عَلَى الْمُنْذِرِ أَنْ يَخْطُبَ إِلَيْهِ ابْنَتَهُ، فَفَعَلَ، فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ هِنْدًا، فَقِيلَ فِيهَا: يَا لَيْتَ هِنْدًا وَلَدَتْ ثَلَاثَةً، فَوَلَدَتْ عَمْرًا وَقَابُوسًا وَالْمُنْذِرَ أَبَا النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ الْحَارِثُ فَقَتَلَتْ -[545]- بَنُو أَسَدٍ ابْنَهُ حُجْرًا، وَاخْتَلَفَ ابْنَاهُ سَلَمَةُ وَشُرَحْبِيلُ وَتَحَارَبَا، فَقَتَلَتْ بَنُو ثَعْلَبٍ شُرَحْبِيلَ بْنَ الْحَارِثِ، وَبَعَثَ الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُمْ بِجَفْرِ الْأَمْلَاكِ بِالْحِيرَةِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَهِيَ تَحْمِلُ عَلَى امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ:
[البحر الوافر]
أَلَا يَا عَيْنُ بَكِّي لِي شَنِينَا ... وَبَكِّي لِلْمُلُوكِ الذَّاهِبِينَا
مُلُوكًا مِنْ بَنِي حُجْرِ بْنِ عَمْرٍو ... يُسَاقُونَ الْعَشِيَّةَ يُقْتَلُونَا
فَلَوْ فِي يَوْمِ مَعْرَكَةٍ أُصِيبُوا ... وَلَكِنْ فِي دِيَارِ بَنِي مَرِينَا
وَلَمْ تُغْسَلْ جَمَاجِمُهُمْ بِغَسْلٍ ... وَلَكِنْ بِالدِّمَاءِ مُرَمَّلِينَا
تَظَلُّ الطَّيْرُ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ ... وَتَنْتَزِعُ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ثُمَّ انْقَطَعَ الْأَمْرُ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَلِكٌ قَطُّ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا ذَوِي أَمْوَالٍ، فَكَانُوا يُدْعَوْنَ رَيْحَانَةَ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا مُلُوكُ الْيَمَنِ التَّتَابِعَةُ مِنْ حِمْيَرَ وَرَوَى الْكَلْبِيُّ، أَنَّ وَفْدَ كِنْدَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه -[546]- وسلم وَفِيهِمُ الْجَفْشِيشُ أَوِ الْخَفْشِيشُ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي الْكَيْشَمِ، وَابْنُ أَبِي سَهْرِ بْنِ جَبَلَةَ، وَأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَامْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ. فَقَالَ الْجَفْشِيشُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّكُمْ مِنَ الْعُمُورِ عُمُورِ كِنْدَةَ، فَيُقَالُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ذَاكَ شَيْءٌ كَانَ يَقُولُهُ الْعَبَّاسُ وَأَبُو سُفْيَانَ إِذَا قَدِمَا عَلَيْكُمْ، نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُوا أُمَّنَا، وَلَا نَدَعُ أَبَانَا»