الخطرة". ولما كانت غايته الفوز فإنه يأبى كل شفقة على المساكين؛ ولما كان يلخص الإنسانية في شخصه فإنه يسودها وهو مطمئن الضمير، ويجد في الفوز غبطته العظمى، وأخيرًا يثبت مصيره إلى الأبد بقبوله أن يعود فيحيا حياة البطولة هذه إلى غير نهاية, وفقًا لنظرية الدور السرمدي 1.
ز- فلسفته هذه صورة نفسه القلقة وثقافته الرومانتية وتجربته المؤلمة. وهو يعرضها على أنها رسالة ووحي، ولا يقصد إلى إقناعنا بل إلى تعليمنا كيف نستكشف أنفسنا فنجد فيها إرادة القوة. وإذا أردنا أن نلخصها قلنا: إنها صيحة بالإنسان أن "كن ما أنت دون ضعف وإلى النهاية". وهذا ما دفعه إلى نقد شوبنهور نقدًا لاذعًا وإلى فصم صلته بفاجنر حين أدرك اختلافه معهما في معنى الحياة والغاية منها، والشبه كبير بين هذه النظرية وبين النظرية السوفسطائية التي يعرضها أفلاطون في محاورة "غورغياس" مع هذا الفارق, وهو أن "الإنسان الأعلى" يحل محل "الطاغية" وأن الحيوية النفسية تحل محل الشهوة البدنية. ولو أن نيتشي أنعم النظر في هذه المحاورة الخالدة لرأى بأي قوة يعرض أفلاطون هذه النظرية, وبأي قوة يفندها, وبأي قوة يجلو مبادئ الأخلاق 2. ليست القوة بذاتها غاية وليس لها بذاتها قيمة، ولكن قيمتها ترجع إلى قيمة الموضوع أو الغرض الذي تخدمه، فإذا كان هذا الموضوع هو اللائق بالإنسان بما هو إنسان, كانت القوة المبذولة في سبيله خيرة ممدوحة،