لكتابه، فوضح رأيه في الطبعة الثانية وتوسع في نقد التصورية المطلقة. وهو يصرح بأن الإحساس انفعال، وأن التخيل فعل، فإذا كنت أحس نفسي منفعلًا فيجب أن أعتبر نفسي خاضعًا لتفسير شيء فعال. غير أنه يصرح أيضًا أننا لا ندرك من الشيء إلا انفعالنا به، فيأخذ بنصف تصورية، ويعتبر مهمة نقد المعرفة منحصرة في تبين ما هو آتٍ من خارج وما يصيفه إليه الفكر من عنده.

وهذا الذي يضيفه الفكر، أي: الصورة في المعرفة، يسميه Transcendental ويعرفه بأنه معنى أو مبدأ ذاتي للفكر، متقدم على التجربة تقدما منطقيا لا زمنيا، ووظيفته جعل التجربة ممكنة، أي: تركيب موضوعات محسوسة وأحكام كلية؛ واستعماله على هذا الوجه مشروع. غير أنه قد يطبق اعتسافًا خارج نطاق التجربة، أي: على مطلق الوجود, كما أن من المعاني والمبادئ الذاتية، كمعاني العالم والنفس والله، ما يجاوز بطبيعته حدود التجربة؛ وفي هاتين الحالتين يتخذ المعنى أو المبدأ قيمة خاصة في حين أنه صورة بحتة، فيسمي كنط هذا الاستعمال Transcendant. لذا نترجم اللفظ الأول بالصوري في مقابل المادة الآتية من خارج، ونترجم اللفظ الثاني بالمفارق أو الميتافيزيقي في مقابل التجريبي 1. ويدعو كنط مذهبه بالتصورية الذاتية أو التصورية, ويميز بينه وبين التصورية المطلقة حيث يقول: "إن قضية التصورين الحقيقين بهذا الاسم، من المدرسة الأيلية إلى الأسقف باركلي، هي أن كل معرفة حسية فهي ظاهرية، وأن الحقيقة لا توجد إلا في معاني العقل؛ لأن العقل عندهم حدسي ومعانيه موضوعات حقة، بينما المبدأ المهيمن على مذهبي التصوري هو أن كل معرفة آتية من العقل الخالص فهي ظاهرة، وأن الحقيقة لا توجد إلا في التجربة؛ لأن العقل عندي صوري ووظيفة معانيه توحيد التجربة".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015