والحنفاء: هم الذين اتبعوا ملة إبراهيم، وعندما يرتبط الاصطلاحان بعضهما ببعض يصبح المعنى الاصطلاحي مغايرًا لكل من الاصطلاحين على حدة، وينفرد بمعنى جديد وسوف نتتبع معالمه: فالصابئة كانوا يرون في الوسيط وجوب روحانيته؛ وذلك لزكاء الروحانيات وطهارتها، وقربها من رب الأرباب، وروحانية الوسيط يرون فيها أنها تتنافى مع الجسماني، فجسمانية الوسيط تجعله بشرًا مثلنا، يحتاج مثل ما نحتاج إليه من أكل وشرب ويماثلنا، في المادة، والصورة. عبر عن هذا المعنى الفكري القرآن فقال عنهم حاكيا: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} 1.

فهم يرون: أن بشرية الوسيط تتنافى مع وساطته وعدم الجمع بينها وبين النبوة، فبشريته تحجبه عن الاتصال بالله، يبنون ذلك على أصل فكري لديهم يقول: إن أصل وجود العالم يتقدس أن يتوسط بينه وبين عالم الأرض بشر من الأرض أو النفس الإنسانية؛ لتغلبها في عالم الرذائل والشهوات وإنما يتقرب إليه وسيط من القوى الروحانية المفارقة للمادية قالوا عنها: هي آلهتنا وأربابنا ووسائلنا إلى حجتنا وبهم يتقرب إلى الله وهي المدبرة للكواكب.

ثم قالوا -من وجهة نظرهم: إن الكواكب الفلكية هي هياكل هذه الروحانيات، وإن نسبة الروحانيات إليها في التدبير لها نسبة الأنفس الإنسانية إلى أبدانها، وأن لكل روحاني هيكلا يخصه ولكل هيكل فلكا يكون فيه2:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015