ذلك نرى الأثر الإغريقي في الشرق قد اقتصر وجوده على المدن وعلى الطبقات العليا من السكان، ولم يكن له أي أثر على الإطلاق على سواد الناس وعامتهم.

وكان تغلغله أعمق في حياة الأمم الغربية من الإيطاليين والكلديين وأهل أيبريا والتراقيين ولكن الحضارة اليونانية بقيت هنا أيضًا وفية لنشأتها الأولى ولطابعها الحقيقي، فكانت هي حضارة المدن وساكنيها واستمرت محتفظة بهذا الطابع.

وعلى ذلك كانت الحضارة الهلينستية لا تعدو أن تكون مظهرًا جديدًا في تحويل حضارة المدنية الإغريقية فحسب، بل إنه في الممالك الهلينستية التي قامت في آسيا الصغرى وفي سورية ومصر وعلى ضفاف البحر الأسود لم تتأثر الجماهير المقيمة في الريف بالحضارة الإغريقية مطلقا وإنما حرصت على التمسك بعاداتها القديمة وسجاياها وعقائدها الدينية الموروثة1.

يقول ديلاسي أولير: إن الثقافة اليونانية لم تنتقل إلى العرب عن هذه الاتصالات الأولى2.

ويقول فيليب حتى: ولكن الواقع هو أن الشرق الهيلني كان شيئًا مصطنعًا، فديانة اليهودي: احتفظت بتقاليدها القديمة في وسط هذا الشرق الهليني:

وبالإضافة إلى ذلك ترى أن السلوقيين تبنوا العبادات المحلية باشكال هلينية، وأظهر أكثرهم احتراما للآلهة المحلية3.

ولكن هذا لا يعني جعل الشرق هلينيا بقدر ما يعني جعل العالم الهليني شرقيا، وأصبح أفراد الجاليات اليونانية بالتدريج: أكثر تأثرا بالحياة السامية من تأثر الوطنيين بالحياة اليونانية، ونجحت الحضارة في سورة الآرامية، وفلسطين اليهودية، بأكثر من المحافظة على مكانتها بوجه عام، فأعطت أكثر مما أخذت.

والذي حصل نتيجة إدخال الهلينية: هو تمزيق البنيان الأساسي والفكري الذي كان ساميا صرفا، والسماح للتأثيرات الرومانية بالدخول فيما بعد4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015