على يحيى ويقتلوه، أما عبد الرحمن فقد كتبت له النجاة لأنه كان غائباً في الصيد في أثناء غارة الجند على القرية التي كانا يختفيان فيها. وعندما عاد وعلم بمصير أخيه المحزن، انتهز فرصة الظلام وهرب بعد أن أوصى أختيه، أم الأصبغ، وأمة الرحمن، أن يتبعانه مع ولده سليمان، إلى قرية أخرى عينها لهم.
هروب عبد الرحمن بن معاوية إلى المغرب:
ولم يفكر عبد الرحمن في المكوث طويلاً في مخبئه الجديد بعد أن لحقت به أسرته، بل كان يفكر في التوجه نحو المغرب، ولكن العباسيين سرعان ما اكتشفوا مكانه، وداهموه من جديد. وينقل لنا مؤلف كتاب "أخبار مجموعة" رواية هروب عبد الرحمن بن معاوية على لسانه في قصة مؤثرة. فقد كان عبد الرحمن يرقد في حجرة مظلمة لرمد في عينه حين دخل عليه ابنه سليمان، خائفاً فهرع الأب ليرى ماذا يجري في الخارج. فرأى رايات العباسيين السوداء تحاول تطويق القرية فأسرع لضيق الوقت بأخذ بعض المال، وأوصى أختيه بأن يلحق خادمه بدر بما يصلحه إذا سلم من مطارديه. وكان هؤلاء قد سدوا عليه كل منافذ الهرب، فلم يبقَ أمامه وأمام أخيه الأصغر الذي رافقه سوى إلقاء نفسيهما في نهر الفرات. واستطاع عبد الرحمن أن يقطعه سباحة، ولكن الأخ عجز عن قطعه. فرجع مصدقاً وعد الجنود المطاردين لهما بالأمان إن عادا إليهم. ولكن هؤلاء قتلوه أمام عيني أخيه عبد الرحمن في الضفة الأخرى من النهر. ولما أمن عبد الرحمن من خطر مطارديه، سار متخفياً وهو ينوي التوجه إلى المغرب. وتذكر لنا هذه الرواية أن نفس عبد الرحمن كانت تحدثه بما سيكون له من شأن في المغرب أو الأندلس، وأن ذلك بسبب نبوءة كان يعرفها بنو أمية ويرددونها قبل سقوطهم (?).
ولد عبد الرحمن في سنة 113هـ/731 م في بلاد الشام في قرية تعرف بدير حنين، وقيل بل ولد بالعليا من أعمال تدمر. وكانت أمه سبية بربرية من قبيلة نفزة في شمال أفريقيا، وتدعى "راح". أما أبوه معاوية، فقد توفي شاباً في أيام أبيه هشام بن عبد الملك سنة 118هـ/736 م، فكفله وإخوته جده هشام بن عبد الملك. وكان جده يؤثره على بقية إخوته ويتعهده بالصلات والعطايا في كل شهر حتى وفاته. وظل عبد الرحمن يعيش مع أهله وإخوته في قرية دير حنين من أعمال قنسرين إلى أن حلت النكبة بأسرته،