تجارية، والاقلاع من ميناء آخر، أي من سبتة. ويصف المؤرخ التونسي عبد الملك بن الكردبوس عمليات نزول جيش طارق إلى الأندلس، فيذكر أن الأخير كان يرغب في إيجاد مكان ملائم للنزول على الشاطئ الاسباني (ربما منطقة الجزيرة الخضراء التي تقابل سبتة). ولكن طارقاً تخلى عن النزول في هذا المكان عندما وجد جماعة من القوط حاولت منع نزوله، فأبحر منه ليلاً إلى مكان وعر من الشاطئ. وقد استخدم المجاذيف وبراذع الخيول التي ألقيت على الصخور لتسهيل عملية النزول، وبهذا ضمن سلامة جنوده (?). وقد نُفذت هذه العملية في الليل، وربما استغرقت أكثر من ليلة واحدة بسبب قلة المراكب، التي كانت مستمرة بنقل الرجال بين الشاطئين، إلى أن هبط كل أفراد الحملة على الأراضي الاسبانية بسلام.
ويجدر قبل استكمال عرض أحداث الفتح في عهد طارق أن نشير إلى القصة الشائعة التي تقول بأن طارقاً قد أحرق سفنه بعد نزوله إلى الشاطئ ليقطع على جنوده خط الرجعة وليحفزهم على الاستبسال في القتال، ثم خطبته المشهورة التي يبتدؤها بالقول: " أيها الناس أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر ... " (?). ولقد شك العديد من الكتّاب المحدثين في نسبة هذين العملين إلى طارق، لأن معظم المصادر العربية التي تحدثنا عن فتح الأندلس، لا سيما القديمة منها، لا تذكر شيئاً عن حرق السفن والخطبة. يضاف إلى ذلك، فإن أسلوب الخطبة وفصاحتها لا يشجعان على نسبتها إلى طارق، الذي تشير معظم الروايات إلى أنه كان من البربر. أما أسطورة حرق السفن فلم تدوّن إلا في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر للميلاد، أي بعد فتح الأندلس بأكثر من ثلاثة قرون، ولهذا فهي أيضاً عرضة لكثير من الريب (?).
نزلت حملة طارق على صخرة تسمى جبل كالبي ( Mons Calpe) ، التي اتخذت