وقد ظل الأمر كذلك حتى أقدم المستشرقون في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي على ارتياد السبيل العلمية الصحيحة لمعرفة تاريخ العرب القديم، ولا سيما سكان القسم الجنوبي من جزيرة العرب.
ويعد المستشرق الدانماركي "كريستنس فون هافن" -أستاذ اللغات السامية في جامعة غوتنجن الألمانية- أول من وجه الأنظار إلى الكشف عن عاديات بلاد العرب الجنوبية، إذ أقنع ملك الدانمارك سنة 1756م بتكوين بعثة علمية, تطوع هو للاشتراك فيها.
وقد أقلعت البعثة من "كوبنهاجن" لهذا الغرض عام 1761م على ظهر طراد دانماركي حربي, ووصلت إلى اليمن في آخر عام 1762، فاستقبلها إمام اليمن واحتفى بأعضائها. غير أن المنية قد اخترمت أربعة من أعضائها واحدًا بعد الآخر بسبب مشاق السفر وقسوة الطبيعة، ولم يبقَ منهم سوى الضابط "كارستن نيبور" الذي أصر على إتمام المهمة، وعاد بنتائج مهمة دونها في كتاب أصدره، ورسم مصورًا للجهات المجهولة من بلاد العرب البعيدة نال تقديرا عظيما من الرحالة المتأخرين1.
أيقظت هذه الرحلة فضول المستشرقين والرحالة، فتتالت البعثات الأثرية إلى اليمن. وقد استطاع كل من الدكتور "سيتزن" الألماني و"جيمس وولستد" و"هولتن" "1835م" و"كروتندن" "1838م"2، وبخاصة الدكتور "مكل" العثور على عشرات النقوش العربية التي أرسلت إلى أوروبا لتدقيقها ودراستها، وأخذت دوائر البحث في التوسع، ونشط العلماء في حل رموز الكتابة العربية الجنوبية القديمة.
غير أن التقدم في هذا المجال ظل بطيئًا إلى أن دخله الفرنسيون فقد استطاع الصيدلي "توماس أرنو" "1843م" العثور على 56 نقشًا في آثار صنعاء ومأرب أرسلها إلى بلاده، ونشرت في المجلة الآسيوية مع مخطط لسد مأرب. وعثر بعده المستشرق "هاليفي" على 686 نقشًا جمعها من 37 مكانًا، كما اكتشف مدينة معين القديمة، واطلع على أسماء عدد كبير من ملوك اليمن القدماء وقبائلهم وآلهتهم.