كانت من الأرواح غير المنظورة، إلا إنه بالإمكان رؤيتها ومخاطبتها حتى والتزوج منها. ذلك بأن باستطاعتها أن تظهر وتختفي بسرعة، وتغير أشكالها بسرعة, تتجسم متى شاءت، وتظهر بالشكل الذي تريده، بصورة إنسان أو بصورة حيوان ولا سيما في صورة حية، وللناس قصص كثيرة عن ظهورها بالشكل الأخير. وهناك أيضا قصص عن مصاهرة أناس للجن، وظهور نسل وأسر من هذا التصاهر. وفي روايات العرب أنه كان لعمرو بن يربوع بن حنظلة التميمي زوجة من الجن1.
وأهم الأماكن التي زعموا أن الجن تسكنها المواضع الموحشة، التي لا يطرقها الناس إلا نادرًا، والمواضع التي تصيبها الكوارث، كمواطن عاد وثمود، إذ تعيش في الخرائب والقبور والصحارى، وقرب عيون الماء وفي بعض الوديان. وأهم منطقة سكنها الجن في رأيهم وادي عبقر ومفازة صيهد في الربع الخالي, والحجر ديار ثمود. وهي تختار الظلام للظهور، فإذا انبلج الصبح ولت واختفت. ولذا فإن الناس إذا مروا ليلًا بمكان موحش، كانوا يحيون ساكنيه من الجن بقولهم "عموا ظلامًا".
والمواضع المذكورة، وإن كانت هي الأماكن المفضلة لإقامة الجن، غير أن مواطنها غير محدودة ولا معينة، بل ترتاد كل موضع ومكان في زعمهم، حتى بيوت الناس لا تخلو منها. وفضلا عن ذلك فإنها شعوب وقبائل وفصائل مثل البشر، ولها رؤساء وملوك وحكام. فإذا أناخ قوم في مكان اعتقدوا أن فيه جنًّا استعاذوا بعظيم هذا المكان منهم، عساه يستجيب لنداء المستعيذ، ولا يسمح بإلحاق الأذى بالقوم2. وإلى ذلك يشير التنزيل الحكيم في قوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} 3 أي: ضلالًا, كما يشير إلى عبادتهم للجن في قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} 4.
واعتقدوا أن تقاليد قبائل الجن شبيهة بتقاليد قبائل الإنس، مثل إدراك الثأر والتحكيم بعد الحرب، كالذي يُروى عن قتل رجل من بني سهم لواحد من الجن، قضى