فلولا ثلاث هن من لذة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبقي العاذلات بشربة ... كُمَيْتٍ متى ما تعل بالماء تزبد
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الخباء المعَمَّد
كريم يُرَوِّي نفسه في حياته ... مخافة شرب في الممات مصرد
إنه يرى أن الغاية من الحياة هي اللذة المادية العاجلة، ثم إنه لا يبالي بموقف الناس منه في ذلك، ما دام هو وحده سيتحمل نتائج سلوكه:
وذرني وخلقي, إنني لك شاكر ... ولو حل بيتي نائيًا عند ضَرْغَد
فقالوا: ذروه، إنما نفعها له ... وإلا تردوا قاصي البرْك يزدد
وهو يريد أن يتمتع بهذه اللذائذ في الحياة؛ لأنه لن يكون بعد الموت شيء من ذلك1:
فذرني أروي هامتي في حياتها ... ستعلم إن متنا غدًا أينا الصدى
كما أننا نشاهد عند شعراء آخرين آراء تشابه ما قال به الدهريون والجبريون بعد ظهور الإسلام. والدهرية هم المؤمنون بأن الدهر قديم واجب الوجود، بل هو الله ينقلب بالإنسان كيف يشاء إلى أن يفنيه. والجبريون هم القائلون بأن كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر إنما هو محتم عليه، مقدر بقدرة الخالق، ولا حيلة للإنسان فيه، فهو كالريشة في مهب الريح، لا إرادة له ولا قدرة على أفعاله.
فمن شعراء الجاهلية من تظهر في أشعاره النزعة الدهرية ممزوجة بالنظرة المادية الطبيعية، التي تفيد أن الحياة تقوم على تجمع العناصر الطبيعية، ويحل الموت بتحلل تلك العناصر "أو الطبائع". "فالطبع المحيي هو الذي يجمع هذه الطبائع ليهب الحياة، والدهر المفني هو الذي ينهك القوة ويسلب الحياة"2. يقول الشاعر تميم بن مقبل:
إن ينقص الدهر مني مرة لبِلى ... فالدهر أورد بالأقوام ذو غير