لكن الواقع أن موضوع مكانة المرأة في العصر الجاهلي يحتاج إلى دراسة عميقة وشاملة، ولا يمكن للباحث أن يعطي أحكامًا مطلقة موجزة عنه في ثنايا البحوث العامة. ومن الأخبار المتناثرة في بعض كتب الأدب نلمس أن علاقة الرجل بالمرأة في العهد الجاهلي كانت قائمة على الاحترام المتبادل في كثير من الأحيان، إذ كانت تستشار في بعض الأمور، وتشارك الرجل أكثر أعماله، وتتمتع بقسط من الحرية. فالشعراء كانوا يعطونها حقها من النسيب، ويبدءون قصائدهم بالتشبيب بها، وبعض الآباء يستشيرون بناتهم في أمر زواجهن واختيار بعولهن1.
لا نكران أن الرجل في الأسرة الجاهلية كان له المركز الممتاز، فهو قوام الأسرة وربها، والمسئول عن حياتها ورزقها ومختلف شئونها، والمحارب المدافع عنها، المطالب بالثأر والغرامات، وصاحب الكلمة النافذة، والمرأة كانت تابعة له، ومنسوبة إليه، وتحت حمايته ومسئوليته، غير أنها كانت تشاطر الرجل كثيرًا من مسئولياته. وإذا كانت لا تغني غناء الرجل في الحروب، والحروب هي أساس الحياة في المجتمع الجاهلي؛ ولذلك تدنت منزلتها عن منزلته، إلا أنها كانت خير رفيق له وخير عون، وكانت تجيد من الفنون ما يجعلها في مستوى ثقافي يلائمه، من قول للشعر والغناء، بالإضافة إلى قيامها بواجباتها كأم ومربية للأطفال، وكانوا يسمونها ربة المنزل تكريمًا لها2. وفي الروايات القديمة أن المرأة مارست الكهانة والعرافة كالرجل، وكان الرجال يلجئون إلى رأيها في معضلات الأمور, كما جرى عندما لجأ عبد المطلب بن هاشم إلى كاهنة عندما أبى عليه قومه إلا أن يذبح ابنه عبد الله، وفاء لنذر نذره للآلهة. والمرأة الجاهلية فوق ذلك كانت تشعر بشخصيتها وبمكانتها في المجتمع، وتحرص على مكانتها من أن تهان, "قصة ليلى أم عمرو بن كلثوم مع هند أم عمرو بن هند".