ومهلكك" ونصحه -كما يقول صاحب الأغاني- بمقابلة الملك، بعد أن يكون قد سيَّر إليه الهدايا والأموال، وبأن يلقي نفسه بين يديه، فإن صفح عنه عاد ملكًا، وإلا فالموت -وهو نازل بكل مخلوق- خير من تجرع الذل والبقاء سوقةً بعد المُلْك1. فقبل النعمان نصيحته، وآثر المضي في سبيله إلى المدائن، لإدراكه أن كسرى سيطوله أينما يكون، وأودع عند هانئ بن مسعود حلقته وأهله وولده وألف شكة2.
وما أن أصبح في قبضة كسرى حتى قيده، وأمر بطرحه تحت أرجل الفيلة، وفي رواية أخرى قيده وبعث به إلى السجن، ولم يزل سجينا حتى وقع طاعون فمات فيه، ووضع مكانه إياس بن قبيصة من طيء ملكًا على الحيرة.
كان إياس عميلا مخلصا للفرس، فكلفه كسرى بأن يطلب من هانئ بن مسعود أسلحة النعمان التي أودعت عنده، ولما رفض هانئ تسليمها عقد كسرى العزم على محاربته، وأرسل إلى شيبان أن اختاروا واحدة من ثلاث خصال: إما أن تعطوا ما بأيديكم فيحكم فيكم الملك بما شاء، وإما أن تُعَرُّوا الديار "تغادروها" وإما أن تأذنوا بحرب.
فتداول القوم الأمر، واستقر رأيهم على المقاومة، وولوا أمرهم أحد بني عجل وهو "حنظلة بن ثعلبة بن سيار" وكانوا يتيمنون به وكان من رأيه القتال، ذلك أنه لما رأى من بعض القوم ترددًا قال لهم: "لا أرى إلا القتال؛ لأنكم إن أعطيتم ما بأيديكم قُتلتم وسبيت ذراريكم، وإن هربتم قتلكم العطش وتلقاكم تميم فتهلككم، فآذنوا الملك بحرب".
أما كسرى فقد أمر قائديه "الهامرز" وهو مرزبانه الكبير و"جلابزين" بمن تحت إمرتهما من قطعات، أن يجتمعا إلى إياس بن قبيصة، ثم كتب إلى قيس بن مسعود بن قيس بن شيبان -وكان كسرى قد أطعمه الأبُلَّة- بأن يوافي إياسًا، وجاءت الفرس بجند عظيم، ومعهم الفيلة عليها الأساورة، فلما دنت من معسكر العرب انسل قيس بن مسعود ليلا فأتى هانئًا، فقال له: أعط قومك سلاح النعمان فيقووا، فإن هلكوا كان تبعا