نجد، أغارت عليها تميم وانتهبتها، وسلبت رسل كسرى1. فقدم هؤلاء على "هوذة بن علي الحنفي" صاحب اليمامة وكان على النصرانية، كما كان إذا جهز كسرى لطيمة لترسل إلى اليمن، يجهز رسل الملك الفارسي ويحسن جوازهم، بمعنى أنه كان عميلًا للفرس في اليمامة. فلما قدم عليه رسل كسرى1 بعد أن سُلبوا، وانتُهبت لطيمة كسرى، أحسن إليهم وكساهم. ولذا فإن الملك الفارسي، حينما بلغه خبر الحادثة، أنعم عليه بمال كثير، وبتاج من تيجانه, وأقطعه أموالا بهجر، وكلفه بتأديب بني تميم جزاء ما فعلوا بلطيمته، وعززه بحملة من أساورة الفرس، وعلى رأسها قائد فارسي يسمى "المكعبر".

ولما وصل المكعبر وهوذة إلى هجر، نزلا حصنًا يسمى "المشقر" وقد تهيبا دخول أرض تميم, وأهلها ممتنعون فيها، فعمدا إلى الحيلة والغدر، فبعثا في طلب بني تميم يدعونهم إلى "الميرة" -وكانت سنة شديدة قاسية- فأقبلوا على كل صعب وذلول، كما يقول ابن الأثير، فجعل المكعبر يدخلهم الحصن خمسة خمسة وعشرة عشرة، على أن يخرجوا من باب آخر، وكل من دخل ضرب عنقه.

وعندما طال الأمر ورأى الناس أن من يدخلون لا يخرجون، بعثوا رجالا يستعلمون الخبر، ولما وقفوا على الحقيقة شد رجل من عبس، فضرب السلسلة التي كانت على الباب فقطعها، وخرج من كان بالباب. فلم يكن من المكعبر إلا أن أمر بإغلاق أبواب المدينة، وضرب أعناق كل من كان فيها من تميم. وقد سمي هذا اليوم باسم "يوم الصفقة" لإصفاق الباب أي: إغلاقه. كما عرف باسم "يوم المشقر" نسبة للحصن، وقد صادف هذا اليوم عيد الفصح، فاستوهب هوذة من المكعبر مائة رجل من تميم كساهم وأطلق سراحهم بمناسبة العيد، فمدحه الأعشى بقصيدة منها:

سائل تميمًا يوم صفقتهم ... لما أتوه أسارى كلهم ضرعا

وسط المشقر في عيطاء مظلمة ... لا يستطيعون فيها ثم ممتنعا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015