والواقع أنه ليس ثمة من دليل تاريخي على قدوم اليهود إلى بلاد العرب قبل القرن الأول الميلادي. وربما يكون مجيئهم إلى شمالي الحجاز وقت أن نكل بهم الرومان في عام 70، عندما قاموا بثورة ضدهم، وبعد أن سيطرت روما على الشرق العربي قبيل منتصف القرن الأول قبل الميلاد. وعلى كل حال وجد منهم في يثرب قبائل يهودية عرفت أخبارها وعلاقاتها مع عرب المدينة في القرن الأول الذي سبق ظهور الإسلام. وهي قبائل بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة.
ويشك بعض المؤرخين في كون القبائل اليهودية في يثرب يهودية الأصل حقًّا، أو في أنها جاءت من خارج الجزيرة العربية، فاليعقوبي يقول عن بني النضير بمناسبة الوقعة التي أوقعها بهم النبي: "ثم كانت وقعة بني النضير وهم فخذ من بني جذام, إلا أنهم تهودوا ونزلوا بجبل يقال له: النضير فسموا به"1، وكذلك كان رأيه في بني قريظة؛ غير أن الذي عليه عامة المؤرخين، أنهم قدموا من خارج الجزيرة العربية، وأنهم يهود في الأصل، وأن أسماءهم وإن كانت عربية، إلا أن أسماء آبائهم وجدودهم عبرية، وأن الرطانة العبرية كانت تبدو على لسانهم عندما كانوا يتكلمون العربية، كما أن النسابين العرب لم يذكروا أية قبيلة من قبائل اليهود في المدينة أو في غيرها ضمن الأنساب العربية، ولم يحاول اليهود أن يفعلوا ذلك أيضا، لا بل كانوا يحرصون على نسبة أنفسهم إلى الإسرائيليين2.
نزل اليهود يثرب، وقد أتوا إليها -على أغلب الظن- متفرقين خلال فترات متفاوتة. لكنهم تكاثروا فيما بعد في غربيها وجنوبيها، وعلى الطريق المؤدية منها إلى الشام. وأما القبائل التي سكنتها منهم فهي قبائل بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، وقد قدر عدد رجالها البالغين بحوالي ألفين، بينما ذكر بعض المؤرخين أن أكثر من عشرين بطنًا آخرين، كانوا يسكنون في جوارها، أو في جوار القبائل العربية في يثرب. وقد ذكروا بعض أسماء هذه القبائل، ومنها بنو محمحم، وبنو زعورا وبنو ثعلبة وغيرهم ... والمعتقد أنها بعض بطون من القبائل اليهودية الأخرى سكنت في ضواحي المدينة، وفي القرى القريبة منها.